الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المخصص قسمان: متصل ومنفصل]

صفحة 333 - الجزء 1

  وأما تخصيص القرآن بالعقل⁣(⁣١) فذلك كما في قوله تعالى: {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد ١٦]، فإن العقل قاضٍ بخروجه تعالى عن هذا العموم؛ لاستحالة كونه مخلوقا. ونحو ذلك⁣(⁣٢).

  وأما تخصيص القرآن بالقياس: فإن كان جليا جاز التخصيص به عند الأكثر، وذلك كما في قياس العبد على الأمة في تنصيف الجلد، بجامع المِلك، فإنه مخصِّص لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}⁣[النور ٤]. وكذا إن كان خفيا، فإنه أيضا يُخصَّص به على الصحيح، مثل أن يعم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}⁣[التوبة ١٠٣]، المديون⁣(⁣٣) وغيره، ثم يُخصَّص المديون قياسا على الفقير.

  وأما تخصيص القرآن بالإجماع⁣(⁣٤) فالمختار أيضا جوازه، مثل إجماعهم على أن القريب إذا كان مملوكا لا يرث⁣(⁣٥)، فإنه مخصِّص لعموم آية المواريث. والتحقيق: أن التخصيص به إنما هو لتضمنه⁣(⁣٦) نصا، هو المخصِّص في الحقيقة؛ إذ الإجماع متأخر، فتأمل!


(١) والمراد بالمخصص العقلي: ما قضى العقل فيه قضية مبتوتة، نحو: خالق كل شيء، وتدمر كل شيء؛ لأن ما قضى العقل فيه قضية مشروطة فالعموم أولى؛ فلا تخصيص. حواشي فصول.

(*) وهذا الاحتجاج مبني على أن المتكلم يدخل في عموم كلامه، وهو الصحيح على ما تقدم، وعلى أن الشيء يطلق على الله تعالى، وفي للمتكلمين مذهبان أصحهما إطلاقه عليه كقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}⁣[الأنعام: ١٩]. ح غ.

(٢) كقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٤}⁣[هود]، لاستحالة كونه تعالى مقدوراً. قسطاس.

(٣) المستغرق فيما زكاته ربع العشر.

(*) على القول بأنها لا تجب عليه الزكاة.

(٤) في القسطاس ما لفظه: واطلاقهم القول بأن الإجماع يصلح مخصصاً ولا يصلح ناسخاً مجرد اصطلاح، مبني على أن النسخ لا يكون إلا بخطاب الشرع، والتخصيص قد يكون بغيره من العقل وغيره، وأما من جهة المعنى فلا فرق؛ إذ كل من النسخ والتخصيص في الظاهر بالإجماع، وفي التحقيق بما يتضمنه من النص، فافهم ذلك. ولفظ شرح الغاية: وفي التحقيق بالمتضمن.

(٥) وأهل الفرائض يحتجون بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}⁣[النحل ٧٥]، ولو ورث لقدر، فتكون هي المخصصة حينئذٍ، وتكون أيضاً مستند الإجماع.

(٦) هذا مُسَلَّم حيث مستند الإجماع هو النص، وإما حيث كان مستند الإجماع هو الاجتهاد فمحل نظر؛ إذ قد أجازوا أن يكون مستنده اجتهاداً، فليتأمل. شامي.