الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المخصص قسمان: متصل ومنفصل]

صفحة 334 - الجزء 1

  وإنما جاز التخصيص في الحقيقة بما ذكر⁣(⁣١) لأن كل واحد منها دليل يجب العمل به، كما تبين في موضعه؛ فصح التخصيص بها، كما صح تخصيص الكتاب بالكتاب وبالسنة؛ إذ لا فرق.

  وأما تخصيص السنة بالكتاب فهو أيضا جائز⁣(⁣٢)؛ بدليل قوله تعالى: {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل ٨٩]، فدخلت السنة؛ إذ هي شيء، والتخصيص نوع بيان.

  وأما تخصيصها بالسنة فهو أيضا جائز، سواء كانت قولا أو فعلا أو تقريرا.

  فالقول كما في قوله: «فيما سقت السماء العشر»، ثم قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة».

  والفعل مثل أن يقول⁣(⁣٣): «لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط»، ثم يفعل ذلك من غير تراخٍ، فإن الفعل مخصِّص لعموم الأول، فلا يبقى على ظاهره.

  وأما بالتقرير فمثل أن يقول: «لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط»، ثم يَرى من يفعل ذلك ويسكت، فإنه يكون مخصِّصا لذلك الفاعل، ثم يُحمل عليه غيره؛


(١) من العقل، والقياس، والإجماع.

(٢) وهو عزيز الوجود، وقد ذكر الجلال السيوطي في مختصر النهاية وشرحها لذلك أربعة أمثلة: الأول: قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}⁣[التوبة ٢٩]، فإنها مخصصة لقوله ÷: «أمرت أن أقاتل الناس ... الخبر»، فإنه عام فيمن أدى الجزية وغيره.

الثاني: قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}⁣[النحل ٨١] فإنها مخصصة لقوله ÷: «ما أُبْين من الحي فهو ميتة».

الثالث: قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ...} الآية [التوبة ٦٠] فإنها مخصصة لقوله ÷: «لا تحل الصدقة لغني ...» الخبر.

الرابع: قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ..} الآية [البقرة] فإنها مخصصة للنهي عن الصلاة في أوقات الكراهة.

(٣) وعبارة السيد داود ابن الهادي في شرحه على المعيار: كما لو قال ÷: الوصال حرام، ثم واصل، أو قال: استقبال القبلة بالبول حرام، ثم استقبل - فإن فعله يكون مخصصاً لهذا العموم حيث تأخر من غير تراخ. واعترضه صاحب القسطاس بأنه يوهم التخصيص في حقنا وحقه ÷، وليس كذلك، بل إن كان من غير تراخ فتخصيص في حقه فقط، وإن كان مع تراخ كان نسخاً في حقنا وحقه، وخرج من حيز التخصيص إلى حيز النسخ؛ إذ لا يكون مخصصاً مع التراخي. للسيد داود.