الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المبين]

صفحة 356 - الجزء 1

  لأجل الفعل لا لغيره، فيلزم قبح الفعل، أو حسنة، وذلك ظاهر، والله أعلم.

  (و) المختار (أَنَّهُ لاَ إِجْمَالَ فِي) أمور:

  منها: (الجَمْعِ المُنَكَّرِ(⁣١)) نحو: رجال؛ (إِذْ يُحْمَلُ عَلَى الأَقَلِّ) مما يدل عليه، وهو ثلاثة؛ إذ هو المتيقن دخوله في الخطاب، والأصل براءة الذمة عن الزائد.

  وأيضا فإن السيد إذا قال لعبده: «أكرم رجالا» فأكرم ثلاثة عُدَّ ممتثلا، وسقط عنه الذم⁣(⁣٢)، ولو كان مجملا لما كان كذلك. وكذا إذا أقر شخص لآخر بدراهم وفسَّرها بثلاثة - قُبِل ذلك منه، فلولا أنه مبين لما قبل ذلك⁣(⁣٣) منه.

  (و) منها: أنه (لا) إجمال (فِي تَحرِيمِ الأَعْيَانِ(⁣٤)) أي: التحريم المضاف إلى الأعيان، نحو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}⁣[النساء ٢٣]، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة ٣]، ونحوها؛ (إِذْ يُحمَلُ عَلَى المُعْتَادِ) من ذلك، كالوطء في الموطوء، والأكل في المأكول، واللبس في الملبوس، والشرب في المشروب. فإذا قال: «حرمت عليكم الأمهات، والميتة، والحرير، والخمر» فُهِمَ تحريم الانتفاع بها بالأكل ونحوه؛ إذ لا يسبق إلى الفهم إلا ذلك، فهو متضح الدلالة، فلا إجمال.

  وأيضا فإن الصحابة ومن بعدهم استدلوا بها على تحريم الفعل المقصود منها،


(١) وقيل: بل هو مجمل؛ إذ لا يعلم تقديره، فليس بأن يحمل على قدر دون آخر أولى؛ فصار مجملاً، فإن قولنا: «رجال» يصلح للثلاثة والأربعة ولسائر الأعداد، وإذا صلح لذلك كان مجملاً. قلنا: يحمل على الأقل ... إلخ. معيار وشرحه للسيد داود.

(٢) وقد يقال: إن ثبت ذلك عن أهل اللغة بطريق واضح، أو بموافقة الخصم - فظاهر، وإلا فلا حجة فيه؛ فإن الخصم يزعم أنه لا يعد ممتثلاً ولا يسقط الذم. قسطاس.

(٣) قد يقال: هو مجمل لولا بيانه بأن الأصل براءة الذمة. إفادة سيدي هاشم.

(*) إنما قبل منه التفسير بالثلاثة لأن الأصل براءة الذمة عن الزائد، فهو كالأول في التعليل.

(٤) خلافاً للكرخي وأبي عبدالله، والحنفية، فقالوا: هو مجمل. وأنت خبير بأن الكرخي من الحنفية. قالوا: وذلك لأن تحريم العين غير مقصود، فلا بد من إضمار فعل يصلح متعلقاً له، والأفعال كثيرة، ولا يمكن إضمار الجميع؛ لأن ما يقدر للضرورة بقدر الضرروة فتعين إضمار البعض، ولا دليل على خصوص شيء منها، فدلالته على البعض المراد غير واضحة، وهو معنى الإجمال. قلنا: لا نسلم أن ذلك البعض غير متضح؛ إذ يحمل على المعتاد. معيار، وقسطاس. قوله: لأن تحريم العين غير مقصود ... إلخ، لأن الأحكام الشرعية إنما تعلق بأفعال المكلفين كما عرفت.