[المبين]
  ما تقتضيه المصلحة من التأخير، وغيره؛ لأن المقصود بالشرائع المصالح(١)، فتبليغها يكون على وفق المصالح؛ لأن الفرع تابع للأصل، وقد تكون المصلحة في التأخير، والله أعلم.
  (وَلاَ يَجُوزُ تَأخِيرُ البَيَانِ) للمجمل، (وَلاَ التَّخصِيصِ) للعام، والتقييد للمطلق - (عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ(٢)) أي: وقت إمكان العمل(٣) بما اقتضاه الدليل المجمل أو العام أو المطلق، فلا يجوز أن يخاطبنا تعالى بالصلاة - مثلا - وقد علمنا أنه لم يرد بها المعنى اللغوي من غير أن يبين لنا ما قصد بها، مع تضييق وقتها، فهذا ممتنع (إِجْمَاعاً؛ إِذْ يَلزَمُ من ذلك التَّكْلِيفُ) للعباد (بِمَا لاَ يُعْلَمُ)، وهو قبيح على الله تعالى، إلا عند مجوزي تكليف ما لا يطاق(٤)، وكأنه لم يعتد بمذهبهم لخسته، فلهذا قال: إجماعا.
  (فَأَمَّا) تأخير البيان والتخصيص ونحوهما (عَنْ وَقْتِ الخِطَابِ) إلى وقت الحاجة - فقد اختلف فيه على أقوال:
  الأول: أنه يجوز(٥) مطلقا؛ لأن الصحابة سمعوا قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا
(١) هذا قول كثير من المعتزلة، وهو الذي اعتمده الإمام المهدي #. والذي عليه قدماء أئمتنا $، و أبو القاسم البلخي أن الشرائع ليست مصالح، وإنما هي شكر لله تعالى. شرح السيد داود.
(٢) من المكلف إلى البيان، وهو وقت التنجيز. وهو قول عامة المسلمين إلا من يقول: بجواز التكليف بما لا يطاق، فإنه عندهم جائز غير واقع. شرح غاية.
(٣) صوابه تضيق العمل.
(٤) في شرح القاضي: وفيه خلاف من يجوز تكليف ما لا يعلم. ولعله أولى؛ إذ ليس كل من قال بتكليف ما لا يطاق يقول بتكليف ما لا يعلم.
(٥) قال صاحب القسطاس: والمختار الجواز مطلقاً لنا: أن الصلاة ورد الأمر بها مجملاً، ولم يزل ÷ يبين حكمها وصفتها بقوله وفعله بتدريج، وكذلك الزكاة، فإنه إنما بين تفاصيل الجنس والنصاب بتدريج، وأيضاً فإنه لما ورد قوله تعالى: {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ...} الآية [النساء ٧]، بعث رسول الله ÷ إلى ابني عم أوس بن الصامت، وقد مات عن امرأته وثلاث بنات، وكانا قد زويا ميراثه عنهن على طريقة أهل الجاهلية في عدم توريث النساء، فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوس شيئاً، فإن الله تعالى قد جعل لهن نصيباً، ولم يبين حتى يبين، فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء ١١]، فأعطى المرأة الثمن، والبنات الثلثين، وابني العم الباقي ولنا أيضاً قوله تعالى في المغنم: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} إلى قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى}[الأنفال ٤١]، ثم بيّن أن السلب للقاتل، إما عموماً على رأي، وإما إذا رأى الإمام على رأي، وبين أن ذوي القربى هم ونو =