[الظاهر والمؤول]
  (و) قد يكون (بَعيداً)، وبُعدُه بحسب خفاء العلاقة، (فَيَحْتَاجُ إِلَى) مرجِّح (أَقْوَى) مما يترجح به التأويل القريب، ولا يترجح بالمرجِّح الأدنى. من ذلك تأويل بعض الحنفية وبعض أئمتنا قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً}[المجادلة ٤]، بأن المراد: إطعام طعام ستين مسكينا، لواحد أو أكثر؛ قالوا: لأن المقصود دفع الحاجة، وحاجة مسكين واحد في ستين يوما كحاجة ستين شخصا، لا فرق بينهما عقلا. ووجه بُعده: أنهم جعلوا المعدوم - وهو طعام - مذكورا بحسب الإرادة، مع إمكان أن يكون المذكور - وهو ستين - هو المراد؛ لأنه يمكن أن يقصد إطعام ستين مسكينا دون واحد في ستين يوما؛ لفضل الجماعة وبركتهم؛ بدليل: «يد الله مع الجماعة»، ولتظافر قلوبهم على الدعاء للمحسن، فيكون أقرب إلى الإجابة، ولعل فيهم مستجابا، بخلاف الواحد، ونحو ذلك من التأويلات البعيدة على ما هو مبسوط في بسائط هذا الفن.
  (و) قد يكون (مُتعسَّفاً(١)) لا يحتمله اللفظ (فَلاَ يُقْبَلُ)، بل يجب رده والحكم ببطلانه(٢)، وذلك كتأويل الباطنية، مثل تأويلهم ثعبان موسى بحجته، ونبع الماء من بين الأصابع بكثرة العلم، وقولهم في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء ٢٣]، المراد بالأمهات: العلماء، وبالتحريم: تحريم مخالفتهم وانتهاك حرمهم، وكتأويلهم الجبت والطاغوت: بأبي بكر وعمر، والبقرة في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة ٦٧]، بعائشة، وغير ذلك كثير من أباطيلهم.
  وبتمام هذا تم الكلام في شرح باب المجمل والمبين.
(١) المتعسف: هو المدافع للقواطع، كتأويل المرجئة لآيات الثواب بالترغيب، ولآيات العقاب بالترهيب. وتأويل النواصب للحديث الوارد في الوصي - وهو قوله ÷: «أنا مدينة العلم و علي بابها» - بأن المراد أن بابها عالٍ، أي: مرتفع، وليس المراد بذلك الوصي. ونحوه من تأويلاتهم الباطلة. وكتأويلات الإمامية، كتأويل بعضهم لقوله تعالى: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى}[الأعراف ٢٦] أن المراد بالريش: معرفة الإمام، والتقوى: التقية، وكتأويلهم الأحاديث الواردة في الدجال بأن المراد بها أبو بكر. للسيد داود على المعيار.
(٢) ويتميز صحيح التأويل من فاسده بموافقة العقل، أو الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو اللغة، وبمخالفتها. السيد داود على المعيار.