[الباب الثامن النسخ]
  وقوله: «الشرعي» احتراز عن الحكم العقلي، فإن إزالته بطريق شرعي ليس نسخا، وذلك كالأدلة المبيحة لذبح الأنعام بعد أن كان محرما بحكم العقل.
  وقوله: «بطريق» ولم يقل: «بدليل» ليشمل القطعي، والظني.
  وقوله: «شرعي» لتخرج الإزالة للحكم الشرعي بالموت والنوم والجنون والغفلة فإن ذلك ليس نسخا.
  وقوله: «مع تراخ بينهما» ليخرج التخصيص(١)، فإنه ليس نسخا، وإنما هو بيان لمراد المتكلم من لفظ العموم. وهذا الحد قد انطوى على شروط النسخ(٢)،
(١) نحو: صلِّ عند كل زوال إلى آخر الشهر. وأنت تعلم أنه لا يحتاج إلى التقييد بالتراخي؛ فإن اللفظ الذي ينتظم لقصد التأقيت ونحوه من أنواع التخصيص ليس فيه إزالة الحكم بعد ثبوته في قصد الشارع، لكن التصريح ودفع التوهم مما يقصد في الحدود. إلا أن هاهنا بحثاً آخر، وهو أن النسخ أيضاً لا يتضمن الإزالة، وإنما هو بيان انتهاء أمد الحكم؛ إذ لم يقصد الشارع ثبوت الحكم المنسوخ أولاً ثم إزالته ثانياً، وإلا كان تناقضاً بينا وهو ممتنع في كلامه، فإذاً لا فرق بين التخصيص والنسخ، بيد أن أحدهما في الأعيان، والآخر في الأزمان، وحينئذٍ يندفع ما يجري في كلام بعض الأصوليين من ترجيح التخصيص على النسخ في بعض المواضع؛ لأنه دفع والنسخ رفع، والدفع أهون من الرفع؛ إذ لا رفع في أيهما، وبهذا يظهر رجحان جواز نسخ القطعي بالظني كما جاز ذلك في التخصيص. فإن قيل: أن الإزالة فيه حاصلة بالنظر إلى ظاهر اللفظ وما يسبق إلى فهم السامع، وإن لم تكن حاصلة بالنظر إلى ما في نفس الأمر. قلنا: وكذلك التخصيص، فإن قوله مثلاً: لا تقتلوا أهل الذمة، عقيب قوله: اقتلوا المشركين - يقتضي ذلك. قسطاس.
(٢) أما الأول فدخل في قولنا: الحكم الشرعي بطريق شرعي فخرجت العقليات، وأما الثاني والثالث فدخلا في قولنا: مثل الحكم، فخرجت الصورة وما لم يتميز، وأما الرابع فدخل في قولنا: مع تراخ، فإن الغاية غير متراخية عما قبلها، ونحو ذلك من أنواع التخصيص. منهاج باختصار، وقسطاس. قال فيه: و قد يقال: إنه لا إزالة في التخصيص لا سيما في المتصل منه؛ لأن الكلام بالتمام، فالأولى أن يقال: قد دخل في هذا الإزالة كما مرّ، على أن فيه ما تقدم.
(*) والحاصل أن الحكم الذي يتعلق به البحث هنا على ثلاثة أضرب: الأول: ما قد ثبت التكليف به وفعله المكلف، وهذا يستحيل إزالته لأمرين: الأول: أنه بعد تحقق وقوعه والمجازاة عليه يستحيل إزالته، فإن ما وقع من الأحداث لا يمكن أن يزال، وإنما يزجر المكلف عن العود إلى مثله، كما في السرقة ونحوها. الضرب الثاني: ما سيثبت التكليف به ولم يحصل وقت أدائه فيؤمر به ولم يمضِ وقت يتسع للعمل به، فهذا يستحيل نسخه؛ للزوم البداء أو العبث. الضرب الثالث: الذي يؤمر به ويمضي بعد الأمر به وقت يتسع للعمل، فهذا هو الذي يتصور النسخ فيه؛ لإمكانه، وعدم لزوم البداء أو العبث، ومعنى النسخ: هو بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريق شرعي، على معنى أن =