[الباب الثامن النسخ]
  مع الإجماع دليلا؛ لأن شرط العمل به رجحانه وإفادته الظن، وقد انتفى بمعارضة القاطع له، وهو الإجماع، فلا يثبت له حكم، فلا يُتصور النسخ، فتأمل(١).
  وأما القياس فكذلك لا ينسخ به - سواء كان جليا أو خفيا - لأمرين:
  الأول: إجماع الصحابة على رفضه عند وجود النص(٢)، وهذا ظاهر في عدم النسخ به.
  والثاني: خبر معاذ ¥، فإنه قدَّم فيه النص على القياس، وهذا يدل على وجوب تقديم النص عليه، وأنه لا عبرة به مع وجود النص، خالفه أو وافقه؛ فلو نُسخ بالقياس لكان مخالفا لذلك، والله أعلم.
  (و) لا يصح - على المختار - نسخ (مُتَوَاتِرٍ بِآحَادِيٍّ(٣))؛ وذلك لأن المتواتر قطعي، والآحادي ظني، والمظنون لا يقابل القاطع(٤).
(١) فإن قيل: الثابت بالظني قبل انعقاد الإجماع إذا ارتفع به صار نسخاً، كارتفاع الثابت بالظني من الكتاب والسنة بالنص القطعي المخالف، قلنا: انعقاد الإجماع على خلافه يدل على بطلان الظني من أصله، وعلى خطأ العامل به قبل الإجماع، بخلاف رفع الثابت بالظني من الكتاب والسنة بالنص القطعي، فإن العامل بالظني قبل نسخه بالقطعي مصيب. شرح غاية.
(٢) والمراد بالنص هنا خلاف الاستنباط لا النص الاصطلاحي.
(٣) خلافاً للظاهرية. ح. معيار. قالوا: نسخ المتواتر بالآحاد قد وقع، وهو أن التوجه إلى بيت المقدس كان متواتراً ونسخ بالآحاد، وهو أن أهل مسجد قباء سمعوا مناديه ÷ يقول: ألا إن القبلة قد حولت - فاستداروا وتوجهوا، ولم ينكر عليهم الرسول ÷. قلنا: لعله حصل لهم القطع بذلك الخبر لانضمام القرائن إليه، فقد يفيد خبر الواحد العلم حينئذٍ؛ لأن نداء منادي الرسول ÷ بحضرته على رؤوس الأشهاد في مثل هذه العظيمة قرينة صادقة عادة. ويجب المصير إلى ما قلنا؛ لئلا يلزم ترك القاطع بالمظنون، وقد بينا أنه لا يصح. وقد تمنع إفادة الخبر الآحادي مع انضمام القرائن إليه للعلم؛ فإن المسألة خلافيه، وإن سُلِّم فذلك احتمال بعيد؛ إذ لم يمض قبل فعلهم وقت يمكنهم فيه فهم ما كان من إنكار على المنادي وعدمه، فإنه لا يحصل ما ذكرتم إلا بعد علم عدم الإنكار، وأيضاً فقد عرفت أن الاحتمال البعيد لا يدفع الظهور، وأنه لو اعتد بمثل هذا الاحتمال لانسحب على كثير من الأحكام أذيال الاختلال ولا نُسلم أنه يلزم أنه ترك القاطع بالمظنون؛ فإن المتروك هو الاستمرار، وليس بقطعي فافهم. قسطاس.
(٤) وقد يقال: إذا جاز تخصيص القطعي بالآحاد جاز نسخه، والجامع كونهما مخصصين، وكون أحدهما في الأعيان والآخر في الأزمان لا يصلح فارقاً؛ إذ لا أثر له. قسطاس. حديث «لا وصية لوارث أنه أعطى كل ذي حق حقه» الجمهور على أنه ظني، لكن يجوز النسخ به عند البعض إذا كان مشهوراً أو متلقى بالقبول فإنه يقوي الظن بصحته حتى يشتبه بالعلم، وليس من باب نسخ المقطوع بالمظنون، إذ المقطوع إنما هو حكم ثبوت الكتاب في الجملة لا في خصوص الأزمنة؛ لأن تجويز النسخ جائز فلا يجامعه القطع بالبقاء، كما أن العام قطعي الدلالة على أصل المعنى، ظني الدلالة على كل فرد =