الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب الثامن النسخ]

صفحة 387 - الجزء 1

  متأخرة، نحو أن يقول: نزلت هذه الآية في غزاة بدر، وتلك في غزاة أحد. أو قال: هذا الخبر في خامس الهجرة، وذلك في سادستها؛ (فَيُعمَلُ بِذَلِكَ فِي المَظْنُونِ فَقَط(⁣١)) أي: إذا كان الخبر الذي عرف نسخه بأيِّ هذا الأمارات مظنونا فقط، لا إذا كان معلوما فلا يعمل به؛ لئلا يؤدي إلى ترك القاطع بالظنيِّ، (عَلَى المُخْتَارِ)؛ لأن منهم من قال: إنه يعمل به في القاطع أيضا؛ لأنه إذا تعارض قطعيان تعين أحدهما، فإذا قال الصحابي: هذا متأخر عن ذاك سُمع منه، فالنسخ إنما حصل بطريق التبع لا بقول الصحابي.

  وأجيب عن هذا: بأنه إذا قُبِل قول الصحابي في المتأخر كان الناسخ في الحقيقة هو قول الصحابي؛ إذ لولاه لما وقع النسخ. وفيه ضعف.

  وأما الطرق الفاسدة:

  فمنها: قول الصحابي سواء عيَّن الناسخ، بأن يقول: هذا الحكم منسوخ بكذا، أو لم يعيِّنه، نحو أن يقول: هذا الحكم منسوخ.

  أما الأول فلأنه لم يبين الوجه في كونه ناسخا، بل أحاله علينا ولم يتحمل عهدته، فلا يُقبل ولو كان الحكم ظنيا.

  وأما الثاني فلاحتمال أن يكون ذلك مذهبا له، ومذهب الصحابي ليس بحجة كما تقدم.


(١) كذا ذهب إليه الإمام المهدي #، وفيه أن متواتر السنة قد أسقط القطعَ ببقاء حكمه معارضةُ القطعي؛ للقطع بأن أحد المتواترين المتعارضين ناسخ والآخر منسوخ، فبيان الآحاد معين للناسخ المعلوم إجمالاً، والقطع رافعه قطعه مثله. ونحو أن تقوم قرينة تعين الناسخ والمنسوخ ظناً، كما ذكره أصحابنا في حديث الوضوء من مس الذكر أنه يتعين كونه المنسوخ بقرينة السؤال عنه في حديث طلق، فلولا أنه كان بلغهم حديث الوضوء منه لما سألوا عنه؛ لتنزل سؤالهم من دونه منزلة السؤال عن سائر الأعضاء هل في مسها أو مس شيء منها وضوء؟ وذلك مما لا معنى له، وحديث طلق رواه أحمد، وأصحاب السنن، والدارقطني، وصححه جمع من الحفاظ. ومما يشيد كون مثل هذا السؤال قرينة للنسخ ما رواه البخاري في الجامع الصحيح عن سعيد بن الحارث قلت لجابر: آلوضوء مما مست النار؟ قال: لا. وكاختلاف الصحابة في مسح النبي ÷ على الخفين أكان قبل المائدة أم بعدها؟ شرح غاية.