الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب الثامن النسخ]

صفحة 391 - الجزء 1

  نعم، يشترط أن يعرف منها مسائل الإجماع كما سيأتي، وأما غيرها فإنها ليست من كمال الاجتهاد كما ذكرنا، لكن يشترط في المجتهد أن يكثر معرفته فيها؛ لحاجة الناس إليها، والله أعلم.

  (وَالكِتَابِ) وهو كتاب الله تعالى، ولا يشترط معرفة جميعه كما زعم بعضهم، بل المشترط أن يعرف منه الآيات المتعلقة بالأحكام⁣(⁣١)، أي: التي تؤخذ الأحكام من ظواهرها وصرائحها، وقد قُدِّرت خمسمائة آية⁣(⁣٢). ولا يُشترط حفظها غيبا، بل يكفي أن يكون عارفا بمواضعها من السور؛ حتى يرجع إليه في وقت الحاجة من دون أن يمضي على القرآن جميعا، وقد أفرد لها كثير من العلماء كتبا مستقلة في تعيينها، وبيان معانيها، وما يؤخذ منها من الأحكام.

  (وَالسُّنَّةِ) أي: سنة رسول الله ÷. ولا يشترط فيها أيضا الحفظ غيبا وإن كان أحسن، فيكفيه كتاب مصحَّح، جامع لأكثر ما ورد في الأحكام، ويعرف موضع كل باب بحيث يتمكن من الرجوع إليها، وذلك مثل كتاب الشفاء للأمير الحسين، وأصول الأحكام للإمام المتوكل أحمد بن سليمان، وأمالي⁣(⁣٣) أحمد


(١) وأما معرفة القصص والأمثال والمواعظ فلا تشترط في الاجتهاد؛ لأنه لا تعلق له بها. حاشية فصول. ولا يشترط معرفة ما يستنبط من الأحكام الشرعية من غير الخمس المائة آية المذكورة، كما فعله الحاكم أبو سعيد وغيره. حا.

(٢) والمراد بالآية هنا: الكلام المرتبط بعضه ببعض وإن كان أكثر من آية اصطلاحية. حا. قلت: أو أقل.

(٣) فإن قيل: إن الذي يحفظ أي ذلك لا يأمن أن يكون في غيره مخصص أو مقيد أو ناسخ. قلنا: إن الذي جمع أي ذلك قد أفرغ جهده في جمع الأخبار المتضمنة للأحكام، وخبره بأن ما جمعه في كتاب صحيح غير معارض بما ذكر مقبول، كما يقبل خبره في الأحكام؛ إذ يفيد الظن فيصح العمل به، وأيضاً فخبر معاذ يقتضي أيسر من ذلك، وهو أن الإنسان لا يلزمه طلب غير ما قد حفظه من الأخبار، ولو قلت وعلم أن ثَمّ سواها، ما لم يعلم أي الوجوه التي تقدم ذكرها؛ لأن الرسول ÷ حين وجه معاذاً إلى اليمن قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله ÷، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، مع علمنا أن معاذاً نفذ إلى اليمن لما ينقطع الوحي، بل ينزل شيئاً فشيئاً، مع أن معاذاً لم يكن حافظاً لجميع ما صدر عن الرسول ÷ مما يتعلق بالأحكام، فساغ له الاجتهاد بالقياس على ما قد حفظه، والقياس لا يصح إلا مع فقد النص فدل ذلك على صحة ما ذكرناه؛ لأن خبر معاذ قطعي؛ إذ هو مما تلقّي بالقبول. ح. يحيى حميد على مقدمة الأزهار.