[فائدتان في الاجتهاد]
  (وَ) لا يجوز له التقليد أيضا (فِيمَا يَخُصُّهُ(١)). ومنهم من قال: يجوز فيما يخصه، دون ما يفتي به.
  نعم، وهذا الخلاف إنما هو قبل أن يجتهد في الحكم، وأما بعده فإنه (يَحْرُمُ) عليه أن يقلد (بَعْدَ أَنْ) قد (اجْتَهَدَ اتِّفَاقاً) بين العلماء.
  (وَإِذَا تَعَارَضَتْ) على المجتهد (الأَمَارَاتُ) في حكم (رَجَعَ إِلَى التَّرجيحِ) بينها؛ فيعمل بما ظهر له فيها أيُّ وجوه الترجيح الآتية إن شاء الله تعالى.
  (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ رُجْحَانٌ(٢)) فقد اختلف العلماء في ذلك: (فَقِيلَ) أي: قال أبو علي وأبو هاشم: إن المجتهد (يُخَيَّرُ حِيْنَئِذٍ)، بمعنى: أن له أن يعمل بأيها شاء.
  (وَقِيلَ) أي: قال ابن أبان: بل يجب عليه أن (يُقلِّدَ أَعْلَمَ مِنْهُ) في جميع العلوم أو في ذلك الفن التي تلك الحادثة فيه، يعني أنه إذا روى أحد المتعارضين(٣) أعلم ممن روى الآخر - فإنه يعدل إلى رواية الأعلم؛ لأن رواية الأعلم من المرجحات، لأن العلوم على اختلافها تزكي الفطن العقلية، فأكثر الناس علما أثبتهم عقلا، وأجودهم ضبطا لما يروي.
(١) وقال ابن سريج: يجوز تقليده لغيره فيما يخصه إذا كان مضيقاً بحيث يفوت وقته لو اشتمل بالاجتهاد، وهو قريب؛ لعدم التمكن من الأصل - الذي هو الاجتهاد - والوقت باقٍ. شرح غاية. قوله: إذا كان مضيقاً ... إلخ كما إذا كان في آخر وقت الصلاة بحيث لو اشتغل بالاجتهاد والنظر في مسائلها الاجتهادية فاتت الصلاة ولمايتحصل له ثمرة النظر. قسطاس.
(٢) قال ناظم الكافل في هذا المقام: فإن خفي عليه قيل: خيراً)، (وقيل: بل يتبع فيه الأكثرا) (علماً، وقيل: بل يحكم بالعقل). قال في شرح الفواصل ما لفظه: فإن خفي الراجح وحصل التعارض بين الأدلة في نظره ففيه أقول:
الأول: أنه مخير في الأخذ بأحد الدليلين، وهذا رأي أبي على الجبائي، وأبي هاشم، والباقلاني.
الثاني: أنه يطرح ما وقع فيه التعارض ويرجع إلى تقليد الأعلم، وهذا مراد الناظم بقوله: وقيل: بل يتبع فيه الأكثر علما. قال الإمام المهدي # في المعيار: وأظنه قول أبي العباس بن سريج. ولم يذكر هذا القول في هذه المسألة إلا الإمام المهدي # فيما عرفناه من الكتب الأصولية، وهو يرجع إلى القول بجواز تقليد الأعلم قبل الاجتهاد، بل ما هنا أولى به؛ لأنه قبل النظر يقوى في ظنه أنه مع البحث يتحصل له حكم المسألة، بخلافه بعد البحث وتعارض الأدلة. انتهى. المراد نقله ملخصاً.
(٣) يقال: هذا من طرق الترجيح حينئذٍ، فيعمل به ولا تعارض، والفرض أنها تعارضت الأمارات ولا مرجح، وإنما يرجع إلى غيره فيما تعارضت فيه عليه الأمارات، فأما إذا كان له اجتهاد آخر، أو كان يرى رجحان أحد المتعارضين - فإنه يرجع إليه. شامي.