[فائدتان في الاجتهاد]
  (وَقِيلَ) والقائل: أبو طالب # وأكثر الفقهاء: بل إذا لم يظهر له مرجِّح فإنه يجب عليه أن يطرحهما؛ لأنهما صارا بالتعارض كأنهما لم يوجدا، وحينئذ (يَرْجِعُ): إما إلى غيرهما من أدلة الشرع إن وجد، وإلا رجع (إِلَى حُكمِ العَقْلِ) فيعمل بمقتضاه في ذلك الحكم. ورجَّح هذا القول الإمام المهدي #.
  (وَ) اعلم أنه (لاَ يَصِحُّ لِمُجْتَهِدٍ قَوْلاَنِ مُتنَاقِضَانِ فِي) حادثة واحدة(١) في (وَقْتٍ وَاحِدٍ)، بمعنى: أنه لا يصح له أن يقول في وقت واحد بتحليل أمر وتحريمه، أو ندبه وإباحته، بالنسبة إلى شخص واحد؛ لتعذر اجتماع النقيضين في حكم واحد، ولأنه(٢) إن تعادل دليلاهما وجب الوقف، وإن ترجح دليل أحدهما فهو قوله، فيتعين.
  قولنا: «لمجتهد» احتراز من الأكثر؛ لكثرة تناقض أقوال المجتهدين. وقولنا: «في حادثة واحدة» لأنه لا تناقض عند تعدد الحوادث. وقولنا: «في وقت واحد» للقطع بجواز تغير الاجتهاد(٣). وقولنا: «بالنسبة إلى شخص واحد» لأنه لا تناقض في التحليل لزيد والتحريم لعمروعند تعادل الأمارتين عند من يقول بالتخيير، فيصح أن يفتي بهما في وقت لشخصين، ولا تناقض.
(١) وكذلك إذا كان القولان في مسألتين إحداهما نظيرة للأخرى، وحكم في إحداهما بالإيجاب وفي الأخرى بالسلب مع عدم ظهور الفرق - لم يصح ذلك إلا في وقتين، ويكون القول الثاني رجوعاً عن الأول. كما إذا اشتبه طعام طاهر بطعام متنجس فجوز الاجتهاد في أحدهما، ولم يجوز ذلك فيما إذا اشتبه ثوب طاهر بثوب متنجس، بخلاف إذا ما ظهر الفرق كما لو لم يجوز الاجتهاد عند اشتباه ماء ببول، ونحو ذلك مما ليس الأصل في كليهما الطهارة، فإنه لا يكون رجوعاً. قسطاس.
(٢) التعليل للتعارض من حيث هو، لا لهذه المسألة.
(٣) فإن قيل: ليس من شرط التناقض اتحاد الزمان، قلنا: ذاك زمان نسبة القضيتين، وهذا وقت القول والتكلم بالقضيتين، مثلاً لو قلنا اليوم: هذا حلال دائماً، وغداً: ليس بحلال كان تناقضاً، فليتأمل، فإن هذا مما يقع فيه الغلط. ثم المعتبر في اتحاد الوقت وتعدده هو العرف، وإلا فزمان التكلم بالإيجاب غير زمان التكلم بالسلب، فلا يتصور قولان في حكم واحد، اللهم إلا أن يصرح بأن له فيه قولين. فإن قيل: ما معنى جواز المتناقضين في وقتين لا في وقت؟ قلنا: معناه إن حصل ذلك في وقت يعد لغواً باطلاً في الكلام لا مجرد خطأ في الاجتهاد بخلافه في وقتين. قسطاس.