[التقليد]
  (وَ) اعلم أنه (لاَ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي) علم (الأُصُولِ)، سواء كان من أصول الدين، كمعرفة الباري تعالى وقدمه، ومعرفة صفاته وأسمائه، ومعرفة النبوات وما يتعلق بها، والوعد والوعيد، أو من أصول الفقه، أو من أصول الشريعة، التي هي الصلاة والصوم والحج ونحوها؛ لما تقرر أن الحق فيها مع واحد، والمخالف مخطٍ آثم، فلا يأمن المقلِّد أن يكون من قلَّده مخطئا، فيكون على ضلالة في دينه، ويكون هالكا؛ ولهذا حث الله تعالى على النظر والتفكر فقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ ...} الآية [آل عمران ١٩١]،. {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}[الغاشية ١٧]، وغير ذلك في القرآن كثير. واحتج تعالى على الكفار في جميع القرآن، وذمهم على تقليدهم الآباء في قولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}[الزخرف ٢٢].
  (وَلا) يجوز أيضا التقليد (فِي العِلْمِيَّاتِ) وإن كانت من(١) الفروع، وذلك كمسألة الشفاعة، وفسق من خالف الإجماع. وسميت علمية لأنها لم تتعلق بها كيفية عمل(٢)، وفرعية لابتنائها على غيرها؛ لأن المسائل المأخوذة من الأدلة: إما أن لا تتعلق بها كيفية عمل، وتسمى اعتقادية علمية، وذلك كقولنا: الباري تعالى سميع بصير؛ لأن الغرض منها مجرد اعتقاد لا عمل. وتسمى أصلية أيضا؛ لإبتناء العمليات عليها.
  وإما أن تتعلق بها كيفية عمل، وتسمى: عملية، كقولنا: الوتر مندوب؛ إذ المقصود منها الأعمال. وفرعية لابتنائها على الاعتقادية، ولتعلقها بالعمل الذي هو فرع على العلم. وهذه يجوز التقليد فيها، كما سيأتي.
(١) الأولى أن يقال: الفرعية؛ إذ قد سبق ذكر الأصولية، وكأن المصنف لم يكتف عن قوله: ولا يجوز التقليد في الأصول - بأن يقول: ولا يجوز التقليد في العلميات؛ لأن بعض مسائل الأصول - أعني أصول الفقه - ظني مع أنه لا يجوز التقليد فيها مطلقاً على الأصح.
(٢) فيه تأمل؛ إذ يترتب على الفسق ما لا مزيد عليه من عدم قبول الرواية والشهادة وغيرهما.
(*) هذا ليس بوجه للتسمية، وإنما الوجه كون المطلوب العلم دون العمل.