[التقليد]
  خروجا عما ثبت عنده لا لمرجح. وهذا قياس قطعي(١)؛ إذ الأصل مجمع عليه، والعلة كذلك، وحصولها في الفرع معلوم ضرورة.
  قالوا: تصويب المجتهدين اقتضى ذلك؛ إذ هو انتقال من صواب إلى صواب، لا إلى خطأ.
  قلنا: هو مُسلَّمُ، ولكنه يؤدي إلى التهور في الرذائل، والمروق من الدين، ويؤدي أيضا إلى تتبع الشهوات ورفض العزائم، وهذا مما لا يقول به أحد. (إِلاَّ) أنه يجوز الانتقال بعد الالتزام في صورة واحدة؛ وذلك حيث ينتقل المقلد عن مذهب مَن التزمه (إِلَى تَرجِيحِ نَفسِهِ إِنْ كَانَ) ذلك المقلد (أَهْلاً لِلتَّرجيحِ)؛ بأن يستوفي طرق الحكم الذي يريد الانتقال فيه، وهي الأدلة عليه من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ودليل العقل، فمتى استوفاها حتى لا يغيب عنه شيء مما يُحتج به عليه، ورجح ما رجح عنده - جاز له الانتقال حينئذ إلى ما رجح عنده، بل يجب عليه ذلك، كالمجتهد إذا رجح عنده خلاف الاجتهاد الأول. وأيضا فإنه يصير في ذلك الحكم مجتهدا؛ فلا يجوز له فيه التقليد. وهذا مبنيٌّ على جواز تجزؤ الاجتهاد وتَبَعُّضِه، وقد تقدم بيان ذلك.
  واعلم أن ثَمَّ وُجُوهًا أُخَرَ مجوِّزة للانتقال غير ما ذكره المصنف، منها: الانتقال إلى مذهب أهل البيت $ ممن كان قلد غيرهم من سائر المجتهدين، فإنه يجوز له الانتقال إلى مذهبهم؛ لما ثبت بالأدلة القاطعة من عصمتهم، وأن متبعيهم الفرقة الناجية، كما بيَّنا فيما مضى، فذلك وجهُ ترجيحٍ، فيكون تقليدهم أولى، حتى قيل: لولا الإجماع على جواز تقليد غيرهم لكان يجب تقليدهم وحدهم لتلك الأدلة.
(١) يقال: الفارق موجود؛ إذ المجتهد إنما يعمل بما رجح عنده وأداه إليه اجتهاده، وغلب على ظنه أنه الحق دون غيره بالنسبة إليه، بخلاف المقلد فإنه يقلد من شاء من غير نظر إلى ترجيح، ولا سيما مع الاستواء، فينظر في كون القياس قطعياً، ولا سيما مع قولنا بأن تقليد الأرجح أولى ندباً لا وجوباً.