[توابع الأحكام الخمسة]
  وثالثها: التصديق(١) اليقيني، الذي (هُوَ) عبارة عن (المَعْنَى المُقْتَضي لِسُكُونِ النَّفسِ إِلَى أَنَّ مُتَعَلَّقَهُ كَمَا اعْتَقَدَهُ). وهذا المعنى الثالث هو المقصود بالعلم(٢) في تعريف(٣) الدليل؛ لأن المقصود منه هو البرهان اليقيني؛ بقرينةِ ذكرِ الأمارة معه(٤).
  (وَهُوَ) أي: العلم (نَوعَانِ): (ضَرُورِيٌّ(٥)) يحصل بلا طلب واكتساب. (وَاستِدْلاَلِيٌّ) لا يحصل إلا بهما(٦).
  وانقسامه إليهما ضروري، لا يحتاج إلى دليل؛ بدليل أن العاقل يجد من نفسه أنه يحتاج في بعضه إلى نظر، كالعلم بحدوث العالم، ولا يحتاج في بعضٍ منه إلى نظر، كالعلم بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان، وبأن الكل أعظم من الجزء.
  (فَالضَّرُورِيُّ) من العلم (مَا لاَ يَنْتَفِي) لا (بِشَكٍّ وَلاَ شُبْهَةٍ(٧)) كالعلم بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان.
  (وَالاسْتِدْلاَلِيُّ: مُقَابِلُهُ)؛ وهو: ما ينتفي بشك أو شبهة؛ فيحتاج إلى دليل، كالعلم بأن العالم حادث؛ ولهذا خالف فيه كثير من العقلاء، واحتاج إلى دليل قاطع.
(١) والنسبة بين معانيه هي أن الأول أعم من الآخرين؛ لشموله التصور والتصديق يقينيا أوْ لا. والثاني أخص من الأول؛ لعدم تناوله للتصور. والثالث أخص من الثاني؛ لعدم تناول للتصديق الظني.
(٢) بل المقصود عند أهل هذا الفن الثاني، وهو مطلق التصديق سواء أفاد علمًا أو ظنًّا؛ من حيث وجوب العمل بالظن كالعلم.
(٣) بل قد خرج بقوله: «كما اعتقده»؛ إذ التصور لا اعتقاد فيه. سيدي محمد الأمير. لم يظهر خروجه بهذا المعنى كما اعتقده؛ إذ الاعتقاد يكون في العلمي والظني، فليتأمل.
(٤) أعني: فيما تقدم.
(٥) من جهة الله. أي: من فعله. حا.
(٦) من جهتنا.
(٧) وهو الواقع لا بواسطة نظر، كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، وكالعلم الواقع بالتواتر، كعلمنا ببغداد والبصرة، فإنا وإن لم نشاهدهما نقطع بكونهما موجودين. ح. قوله: «بإحدى الحواس» التي هي: حاسة السمع، والبصر، واللمس، والشم، والذوق، فإنه يحصل بمجرد الإحساس بها، فحصول الصوت في الأذن يكفي في الإدراك، وفتح الحدقة لرؤية ما يمكن إبصاره، وملاقاة البشرة للملموس، وتنشق الهواء المتروح برائحة المشموم، وملاقاة الذوق للعصبة المحيطة بسطح اللسان، ويسمى ضروريًا لأنه يضطر إليه، بحيث لا يمكن دفعه عن النفس، ولا يحتاج فيه إلى نظر واستدلال. ح الورقات لأبي عبد الله محمد بن محمد المعروف بإمام الكاملية.