الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الأدلة الشرعية]

صفحة 64 - الجزء 1

  وبهذا المعنى: يكون القرآنُ كُلُّهُ مُتَشَابِهًا؛ لأنه يشبه بعضُهُ بعضًا في الفصاحة والبلاغة والإتقان، وفي تصديق⁣(⁣١) بعضِهِ بعضًا؛ ويدل عليه قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهًا}⁣[الزمر: ٢٣]؛ أي: يشبه بعضه بعضًا.

  وفي الاصطلاح: (مُقَابِلُهُ(⁣٢)) أي: مقابل المحكم، وهو: ما خفي معناه فلم يتضح⁣(⁣٣)، بل احتمل وجوهًا.


= أصغوا إلى استماعه طلبا للطعن فيه، فلم يجدوا ذلك، فلزمتهم الحجة عند ذلك. وفي الكشاف: فإن قلت: وهلا كان القرآن كله محكما؟ قلت: لو كان القرآن كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله تعالى وتوحيده إلا به، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله تعالى؛ ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهر وهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سَنَنٍ واحدٍ، ففكر وراجع نفسه وغيره، ففتح الله عليه، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده، وقواه في إيقانه.

(*) ولفظ شرح الشيخ على الفصول مع لفظها: والقرآن ينقسم إلى: محكم، ومتشابه، كما قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}⁣[آل عمران ٧]، وقد يوصف بأنه محكم كله بمعنى: المتقن؛ كقوله: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}⁣[هود ١]، وبأنه متشابه كله بمعنى: أنه متماثل في البلاغة والإعجاز، قال تعالى: {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً}⁣[الزمر ٢٣]، إذا عرفت هذا فالمحكم الذي هو قسيم المتشابه: ما وضح معناه. في شرح السيد صلاح على الفصول. وعلى كلام المؤلف لا واسطة بين المحكم والمتشابه، وقد قال المهدي #: المجمل عندنا لا يوصف بأنه محكم؛ لأنا لا نعلم الغرض به، فيعلم مطابقته لمقتضى العقل، ولا متشابه لذلك. وعند ابن الحاجب: أنه من المتشابه، وليس بصحيح؛ لقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}⁣[آل عمران ٧] وذلك يقتضي أن للمتشابه ظاهرًا يتبعه السامع، والمجمل لا ظاهر له متبع، فلا تشابه. وليس في الآية الكريمة - أعني قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} - دلالة على الانحصار في النوعين؛ إذا ليس فيها شيء من أدوات الحصر، وعبارة شرح الغاية يشير إلى ذلك.

(١) في الحق والصدق والإعجاز.

(٢) فهو: ما لم يتضح معناه لاشتراك أو غيره.

(٣) والحاصل: اللفظ الذي يحتمل معنى: إما أن يحتمل غيره أو لا. الثاني: النص. والأول: إما أن تكون دلالته على أحدهما راجحة أو لا. الثاني: المجمل. والأول: إن كان المراد فيه الراجح فهو الظاهر، وإلا فهو المؤول، فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه؛ وذلك لأنه تعالى أوقع المتشابه مقابلًا للمحكم، فيجب أن يفسر بما يقابله. ويؤيده: أسلوب الآية، وهو الجمع مع التقسيم؛ لأنه تبارك وتعالى فرَّق ما جمع في معنى الكتاب، بان قال: {مِنْهُ آيَاتٌ =