[الدليل الثاني: السنة]
  وقيل(١): لا يمتنع منهم قبل الرسالة لا كفر ولا غيره(٢)، وأما بعد الرسالة فالإجماع(٣) على عصمتهم. فيما كان طريقه البلاغ، فلا يجوز عليهم الكذب لا سهوًا ولا عمدًا، وأما غير الكذب من الذنوب: فإن كانت من الكبائر أو من الصغائر(٤) الخِسِّيَّةِ - كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة من تمرٍ - فالإجماع(٥) على عصمتهم منها. وإن كانت من غيرها(٦) فالأكثر على جوازه(٧).
  فهذه جملة ما يحتاج إليه هنا، وموضعه علم الكلام.
  فإذا تقرر ذلك (فَالمخْتَارُ وُجُوبُ(٨) التَأَسِّي بِهِ) ÷؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب ٢١].
  ووجه الاستدلال بها: أن معناها: من كان يؤمن(٩) بالله واليوم الآخر فله
(١) أبو علي وأبو الهذيل وجمهور الأشعرية.
(٢) ينظر فيه، والذي في شرح الغاية ما لفظه: الثاني فيما هو كفر، وقد أجمعت الأمة على عصمتهم منه قبل البعثة وبعدها؛ إلا أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، وكل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر، بل يحكى عنهم أنهم يقولون بجواز بعثة نبيء يعلم الله أنه يكفر بعد نبوءته.
(٣) لعله أراد إجماع العدلية، قال في شرح الغاية: ومن عدا الحشوية يمنعونها - أي: الكبائر - بعد البعثة، سمعًا عند جميعهم، وعقلا عند العدلية.
(٤) وهو ما يُلحِقُ فاعله بالأراذل والسفل، ويحكم عليه بدناءة الهمة وسقوط المرؤة، كسرقة لقمة. شرح الغاية.
(٥) لعله إجماع العدلية.
(٦) من الصغائر التي لا توجب النفرة، وهي التي لا خسة فيها. شرح الغاية.
(٧) قبل البعثة وبعدها مطلقا. ومنعها الإمامية مطلقا كغيرها من المعاصي، ووافقهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني، وأبو الفتح الشهرستاني، والقاضي عياض، وابن السبكي. ومنعها أبو علي الجبائي جرأة وتعمدا؛ لما فيه من التفير وسقوط المنزلة، وإنما يفعلونها لتأويل منهم، واعتقاد لعدم القبح؛ لتقصير منهم في النظر، أو غلط في طرقه، وذلك شبهة يخرجون بها عن الجرأة الممتنعة عليهم، ووافقه والدنا قدس الله روحه. شرح الغاية.
(٨) يجب التأسي به ÷ في الجملة إجماعًا وإن اختلف في التفاصيل.
(٩) قال في شرح الغاية: والمعنى: من كان يرجو الله فله من رسول الله أسوة حسنة، وهو يستلزم بحكم عكس النقيض من ليس له في أسوة حسنة فهو لا يرجو الله، فالتأسي واجب لا يجوز تركه؛ لوجوب ملزومه، وحرمة لازم نقيضة. قوله #: «لوجوب ملزومه» وهو رجوى الله تعالى. قوله: «وحرمة لازم نقيضه» وهو عدم الرجوى.