[الدليل الثاني: السنة]
  في رسول الله أسوة حسنة، فدلت الآية على لزوم التأسي به للإيمان، ويلزمه - بحكم عكس النقيض(١) - عدم الإيمان لعدم التأسي، وعدم الإيمان حرام، فكذا ملزومه الذي هو عدم التأسي، والإيمان واجب، فكذا لازمه الذي هو التأسي؛ وإلا ارتفع اللزوم.
  وقيل(٢): لا يجب التأسي به إلَّا فيما دَلَّ دليلٌ خاصٌّ على أن حكمنا حكمه في الفعل أو الترك، كقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فيُتَأسى به في الصلاة لذلك، لا فيما ليس كذلك؛ لعدم الدليل.
  قلنا: قولُهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ..} الآية دليلٌ واضح على وجوب التأسي به كما بيَّنا، (فِي جمَيْعِ(٣) أَفْعَالِهِ(٤)) وتروكه، ولكن حيث علمنا
(١) عكس النقيض: تبديل نقيضي الطرفين، بأن يجعل نقيض الجزء الأول ثانيًا، ونقيض الجزء الثاني أولًا مع بقاء الصدق والكيف، كقولنا: كل «ج ب» ينعكس بعكس النقيض إلى كل ما ليس «ب» ليس «ج»، وهذا على مذهب المتقدمين من المنطقيين. قوله: «الكيف»، أي: الإيجاب والسلب.
(٢) الكرخي، وغيره كالرازي. فصول وحاشيته.
(٣) ظاهره: ولو مندوبا أو مباحا. وفيه ما فيه.
(*) مطلق مقيد بما سيأتي. قوله: «وما علمنا وجوبه من أفعاله فظاهر، وما علمنا حسنه فندب».
(٤) قال في المعيار: الكرخي: لا تأسي به في المباحات. قال السيد داود بن الهادي في شرحه: إذ لا تكليف علينا فيها، فلا حكم لها.
(*) لنا عليهم قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب ٢١]، ظاهرها وجوب التأسي به في إيجاب ما وجب، وندب ما ندب، واستباحة ما أباح. وقيل: لا يجب علينا التأسي به في شيء من أفعاله إلا ما دل ... الخ. باللفظ. قوله: «إلا ما دل» لأن السلف كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته من غير تخصيص باب دون باب، كتقبيل الحجر الأسود، وقبلة الصائم، ووجوب الغسل لالتقاء الختانين، وغيرها من الوقائع، ولم ينكر عليهم أحد، فكان إجماعًا. ح غ.
فصل: وما وقع منه ÷ فواجب أو مندوب أو مباح، فإن ظهرت قرينة تعين أحدها عُمل بها، وإلا فعلى الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى، لا محرم كبير؛ للعصمة له عنه، فلا يمكن تجويزه، ولا صغير؛ لخفائه كما تقدم تحقيقه، ولا مكروه؛ لخفائه أيضًا، فبطل أن يكون أحدها، ولهذا احتج أصحابنا على مجاهد لما زعم أنه يكره الاغتسال بالماء الساخن - بأن النبيء ÷ دخل حماما في الجحفة فاغتسل منه، قالوا: وفعله يقتضي عدم الكراهة. وقيل: لا يحمل ما صدر عنه ÷ على أنه مكروه، لا لما ذكره الأولون، بل لنُدْرَتِهِ. بضم النون، ضبطه السبكي، وهو القائل بهذا القول، أي: لندرة وقوع المكروه من أمته، فكيف منه ÷!. فصول وح سيد.