[الدليل الثاني: السنة]
  الوجه الذي وقعت عليه. (إِلَّا مَا وَضُحَ فِيْهِ أَمْرُ الجِبِلَّةِ(١)). كالأفعال التي هي من ضروريات البشر، كالقيام والقعود والأكل والشرب(٢)، فإنه لا يجب التأسي به فيها؛ إذ لا خلاف في أن ذلك مباح له ولأمته.
  (أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ(٣) مِنْ خَصَائِصِهِ(٤)) فإنه لا يجب التأسي به فيه أيضًا، وذلك (كَالتَّهَجُّدِ(٥) ، وَالأُضْحِيَةِ)، والضحى، والوتر، والمشاورة(٦)، وتخيير نسائه(٧) فيه؛ لأن تعريفه لنا بأنه مختص بذلك أسقط عنا وجوب التأسي. ولا خلاف في هذا.
  (وَ) حقيقة (التَّأَسِّي: هُوَ إِيقَاعُ الفِعْلِ بِصُورَةِ(٨) فِعْلِ(٩) الغَيْرِ وَوَجْهِهِ، اتِّبَاعًا لَهُ(١٠)) أي: لذلك الغير، (أَوْ تَرْكُهُ لِذَلِكَ(١١)) أي: لأجل(١٢) اتباع الغير
(١) أي: لا يخلو جبلة ذي الروح وطبيعته عنه، كالقيام. ح غ.
(٢) أنفسهما، لا هيئتهما من الأكل باليمين، وإصغار اللقمة، وإطالة المضغ، والقعود متربعا، ومن المص ثلاثة أنفاس، وغير ذلك مما يتأسى به فيه؛ لإنها لا تصدر عنه لكونه بشرًا، بل لحكمة اقتضتها. وحينئذٍ سبيله وسبيل أمته فيه - أي: في الأكل والشرب - الإباحة؛ لما عرفت. صلاح على الفصول.
(٣) وفائدة اختصاصه بالإيجاب: زيادة الزلفى والدرجات؛ إذ لم يتقرب المقربون إلى الله بمثل ما افترض عليهم. ح حا.
(٤) أو كان مباحا في حقه، كالوصال، والنكاح بلا مهر وشهود، وإلى تسع زوجات. أو محرما، كخائنة الأعين، ونزع لامته حتى يقاتل، ونحو ذلك. ومن خصائصه ÷: تحريم زوجاته على غيره، وأن يتبدل بهن، وأن يدخل المسجد جنبا، وطهارة مائه، وإباحة النكاح له وهو محرم، ودخول الحرم بغير إحرام، والقتال في الحرم ابتداءً، والصلاة بعد النوم من غير وضوء، وتحريم أكل البقول ذوات الروائح كالثوم ونحوه، والنهي له عن مد عينيه إلى زينة الدنيا، فكان إذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة. ح قاضي وحاشيته.
(*) قال في بهجة المحافل في سياق ما اختص به ÷ من المحرمات ما لفظه: وكان يحرم عليه الإيماء بالعقوبة خلاف ما يظهر، وهي خائنة الأعين لمشابهته الخيانة، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محرم.
(٥) وهو قيام الليل.
(٦) لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران ١٥٩].
(٧) أي: تخيير نسائه بين مفارقته وزينة الدنيا، وبين اختياره والصبر على الضراء.
(٨) وإنما اشترطنا المشابهة في الصورة لأنه مع اختلافهما لا يعد الغير متأسيا بما فعل، ألا ترى أن النبيء ÷ لو صلى فصمنا، أو أمسك فصلينا - لم نكن متأسين به. ح سيد.
(٩) تخرج المخالفة.
(١٠) يخرج الائتمام على رأي.
(*) كاتباعنا في الصلوات الخمس على الصورة التي أوقعها عليها الرسول ÷ وعلى الوجه، وهو الوجوب، قاصدين اتباعه في ذلك. ح معيار للسيد داود.
(١١) مثال التأسي في الترك: ما روي أن رجلا قتل نفسه بمشاقص، فقال النبيء ÷: «أما أنا فلا أصلي عليه»، والتأسي واجب في الترك والفعل. بحر.
(١٢) خرج الاتباع، فإنه بالقول والفعل. وفي الفصول: هما سواء.