[الدليل الثاني: السنة]
  واعلم أنه لا يُشترط في الضبط إلا أن يكون هو الغالب من أحواله، وإن غفل في بعض الأحوال فلا يضر.
  فإن استوى الحالان؟ فقيل(١): يُقْبَلُ. وقيل: لا يُقْبَلُ(٢). وقيل(٣): موضع اجتهاد للمجتهد. وهذا هو الأولى(٤)، وذلك كأخبار أبي هريرة، ووابصة(٥) بن معبد(٦)، ومعقل بن يسار، فيعمل في ذلك الناظرُ بحسب القرائن الدالة على الضبط وعدمه، وإلا وجب الوقف.
  (وَ) أما التي في الخبر فأمران أيضًا:
  الأول: (عَدَمُ مُصَادَمَتِهَا) أي: أخبار الآحاد (دَلِيْلًا قَاطِعًا) أي: لا يتخصص، ولا ينسخ(٧)، ولا يحتمل التأويل بوجهٍ، وسواء كان نقليًّا أو عقليًّا،
(١) القاضي، وابن زيد، والشافعية، قالوا: بالقبول، إلا أن يعلم سهوه فيما رواه. فصول.
(٢) أكثر أئمتنا، والجمهور.
(٣) القائل: الإمام يحيى والمنصور.
(٤) ورجحه الإمام المهدي #، قال: وهو الذي يظهر من أحوال الصحابة. ح حا.
(*) ذكر ذلك ابن أبان؛ لاستواء غفلتهم وضبطهم عنده، ولرد ابن عباس وعائشة قول أبي هريرة في خبر الاستيقاظ، وردها خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله، وقبول غيرهما إياهما، ولم ينكر على الراد، ولا على القابل؛ وما ذاك إلا لأن طريقَهُ الاجتهاد، ولا إنكار فيما هو كذلك، وهو المطلوب. وقد يقال: مع المساواة لا يترجح طرف الإصابة، فلا يحصل الظن، فلا يقبل، واعتماد قرينة الإصابة رجوع إلى غير الخبر، وهو خلاف الفرض؛ لأن الفرض استواء الضبط والغفلة، ولا استواء هنا؛ لرجحان ما عضدته القرينة على الآخر، وأما الخبران فلا دلالة في أيهما: أما الأول: فلأنهما ردَّاه لظهور خلافه، ولذا قالا: فكيف نصنع بالمهراس؟ وأما الثاني: فإنما ردَّته لمخالفة القاطع، ولهذا تلتْ الآية. قسطاس. المهراس: حجر منقور كالحوض، يتوضأ فيه. معيار للسيد داود.
(٥) بالباء الموحدة.
(٦) بالفتح. ديوان.
(٧) الأولى ما ذكره ابن حابس في شرح هذا المحل حيث قال: والشرط الثالث في قبول أخبار الآحاد: عدم مصادمتها قاطعًا على وجه يتعذر معه التأويل إلا بتعسف، ثم قال: فإن خصصه قُبِلَ. ولم يتعرض للنسخ؛ إذ لا ينسخ القطعيُّ بالظني، وهو أخبار الآحاد. قوله: «وعدم مصادمتها قاطعا»، وقوله: «وفقد استلزام متعلقها الشهرة» قال في الفواصل: هذان الشرطان لقبول الخبر الآحادي، الأول: إذا ورد مصادمًا للقطعي، ولا يمكن الجمع بينهما بوجه من التأويل، فإنه يرد ولا يقبل؛ إذ لا يقاوم الظنيُّ القطعيَّ. وقد يقال: إن هذا لا يخص القطعي؛ بل يكون بين الآحاد، فإن المرجوح منهما إذا عارض الراجح بما سيأتي من طرق الترجيح، ولم يمكن الجمع بينهما فهو مردود. الثاني: أن مدلوله إذا كان مستلزما للشهرة فإنه يرد أيضًا؛ إذ العادة تقضي باشتهاره واستفاضته، وذلك كخبر الواحد بقتل الخطيب على المنبر، ونحوه مما تتوفر الدواعي إلى نقله، وليس هذا تكرير لما سبق؛ لأن المقصود هنا إفادة كونه شرطًا للخبر الآحادي، وذاك بيان لحكمه، وإن كان قد استفيد بطريق المفهوم.