باب فى صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة
  ومنه تجنى الفقر والملح، وهو ريحانة كل مغتبق ومصطبح - كانت مشيخة القرّاء وأماثلهم تحضره - وهو حدث - لأخذ قراءة نافع عنه. ومعلوم (كم قدر ما) حذف من اللغة، فلم يثبته، لأنه لم يقو عنده، إذ لم يسمعه. وقد ذكرنا فى الباب الذى هذا يليه طرفا منه.
  فأما إسفاف من لا علم له، وقول من لا مسكة به: إن الأصمعىّ كان يزيد فى كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلام معفوّ عنه، غير معبوء به، ولا منقوم من مثله؛ حتى كأنه لم يتأدّ إليه توقّفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله ÷ وتحوّبه من الكلام فى الأنواء.
  ويكفيك من ذا خشنة أبى زيد وأبى عبيدة. وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجدّ والانهماك، والعصمة والاستمساك.
  وقال لنا أبو علىّ | يكاد يعرف صدق أبى الحسن ضرورة. وذلك أنه كان مع الخليل فى بلد واحد (فلم يحك عنه حرفا واحدا).
  هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائىّ وعفّته، وظلفه(١)، ونزاهته؛ حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيّين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا لنهضته.
  وحكى أبو الفضل الرّياشىّ قال: جئت أبا زيد لأقرأ عليه كتابه فى النبات، فقال: لا تقرأه علىّ؛ فإنى قد أنسيته.
  وحسبنا من هذا حديث سيبويه، وقد حطب بكتابه - (وهو) ألف ورقة - علما مبتكرا، ووضعا متجاوزا لما يسمع ويرى، قلّما تسند إليه حكاية، أو توصل به رواية، إلا الشاذّ الفذّ الذى لا حفل به ولا قدر. فلولا تحفّظ من يليه، ولزومه طريق ما يعنيه، لكثرت الحكايات عنه، ونيطت أسبابها به، لكن أخلد كل إنسان منهم إلى عصمته، وادّرع جلباب ثقته، وحمى جانبه من صدقه وأمانته، ما أريد من صون هذا العلم الشريف (له به).
  فإن قلت: فإنا نجد علماء هذا الشأن من البلدين، والمتحلّين به فى المصرين،
(١) الظلف: النزاهة.