باب الساكن والمتحرك
باب الساكن والمتحرك
  أمّا إمام ذلك فإن أوّل الكلمة لا يكون إلا متحرّكا، وينبغى لآخرها أن يكون ساكنا. فأمّا الإشمام(١) فإنه للعين دون الأذن. لكن روم(٢) الحركة يكاد الحرف يكون به متحركا؛ ألا تراك تفصل به بين المذكّر والمؤنّث فى قولك فى الوقف: أنت وأنت. فلولا أن هناك صوتا لما وجدت فصلا.
  فإن قلت: فقد نجد من الحروف ما يتبعه فى الوقف صوت، وهو مع ذلك ساكن. وهو الفاء والثاء والسين والصاد ونحو ذلك؛ تقول فى الوقف: اف، اث، اس، اص.
  قيل: هذا القدر من الصوت إنما هو متمم للحرف وموفّ له فى الوقف. فإذا وصلت ذهب أو كاد. وإنما لحقه فى الوقف لأن الوقف يضعف الحرف؛ ألا تراك تحتاج إلى بيانه فيه بالهاء؛ نحو وا غلاماه، ووا زيداه، ووا غلامهوه، ووا غلامهيه.
  وذلك أنك لمّا أردت تمكين الصوت وتوفيته ليمتدّ ويقوى فى السمع وكان الوقف يضعف الحرف ألحقت الهاء ليقع الحرف قبلها حشوا، فيبين ولا يخفى.
  ومع ذلك فإن هذا الصوت اللاحق للفاء والسين ونحوهما إنما هو بمنزلة الإطباق فى الطاء؛ والتكرير فى الراء، والتفشّى فى الشين، وقوّة الاعتماد الذى فى اللام.
  فكما أنّ سواكن هذه الأحرف إنما تكال فى ميزان العروض الذى هو عيار الحس (وحاكم القسمة والوضع) بما تكال به الحروف السواكن غيرها، فكذلك هى أيضا سواكن. بل إذا كان الراء - لما فيها من التكرير - تجرى مجرى الحرفين فى الإمالة، ثم مع ذلك لا تعدّ فى وزن الشعر إلا حرفا واحدا، كانت هذه الأحرف التى إنما فيها تمام وتوفية لهذا أحجى بأن تعدّ حرفا لا غير.
(١) الإشمام: ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير فى الوقف على المضموم.
(٢) روم الحركة: الإشارة للحركة بصوت خفىّ.