الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الاعتلال لهم بأفعالهم

صفحة 213 - الجزء 1

باب فى الاعتلال لهم بأفعالهم

  ظاهر هذا الحديث طريف، ومحصوله صحيح، وذلك إذا كان الأوّل المردود إليه الثانى جاريا على (صحّة علّة).

  من ذلك أن يقول قائل: إذا كان الفعل قد حذف فى الموضع الذى لو ظهر فيه لما أفسد معنى كان ترك إظهاره فى الموضع الذى لو ظهر فيه لأحال المعنى وأفسده أولى وأحجى؛ ألا ترى أنهم يقولون: الذى فى الدار زيد، وأصله الذى استقرّ أو ثبت فى الدار زيد، ولو أظهروا هذا الفعل هنا لما أحال معنى؛ ولا أزال غرضا، فكيف بهم فى ترك إظهاره فى النداء؛ ألا ترى أنه لو تجشّم إظهاره فقيل: أدعو زيدا، وأنادى زيدا لاستحال أمر النداء فصار إلى لفظ الخبر المحتمل للصدق والكذب، والنداء ممّا لا يصحّ فيه تصديق ولا تكذيب.

  ومن الاعتلال لهم بأفعالهم أن تقول: إذا كان اسم الفاعل - على قوّة تحمّله للضمير - متى جرى على غير من هو له - صفة أو صلة أو حالا أو خبرا - لم يحتمل الضمير كما يحتمله الفعل، فما ظنّك بالصفة المشبّهة باسم الفاعل؛ نحو قولك: زيد هند شديد عليها هو، إذا أجريت (شديدا) خبرا عن (هند) وكذلك قولك: أخواك زيد حسن فى عينه هما، والزيدون هند ظريف فى نفسها هم، وما ظنّك أيضا بالشّفة المشبّهة [بالصفة المشبّهة] باسم الفاعل؛ نحو قولك: أخوك جاريتك أكرم عليها من عمرو هو، وغلاماك أبوك أحسن عنده من جعفر هما، والحجر الحيّة أشدّ عليها من العصا هو.

  ومن قال: مررت برجل أبى عشرة أبوه قال: أخواك جاريتهما أبو عشرة عندها هما، فأظهرت الضمير. وكان ذلك أحسن من رفعه الظاهر؛ لأن هذا الضمير وإن كان منفصلا ومشبها للظاهر بانفصاله فإنه على كلّ حال ضمير. وإنما وحّدت فقلت: أبو عشرة عندها هما ولم تثنّه فتقول: أبوا عشرة؛ من قبل أنه قد رفع ضميرا منفصلا مشابها للظاهر، فجرى مجرى قولك: مررت برجل أبى عشرة أبواه. فلمّا رفع الظاهر، وما يجرى مجرى الظاهر شبّهه بالفعل فوحّد ألبتّة. ومن