باب فى زيادة الحروف وحذفها
باب فى زيادة الحروف وحذفها
  وكلا ذينك ليس بقياس؛ لما سنذكره.
  أخبرنا أبو علىّ | قال قال أبو بكر: حذف الحروف ليس بالقياس.
  قال: وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هى أيضا، واختصار المختصر إجحاف به. تمت الحكاية.
  وتفسير قوله: «إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار» هو أنك إذا قلت: ما قام زيد فقد أغنت (ما) عن (أنفى)؛ وهى جملة فعل وفاعل. وإذا قلت: قام القوم إلا زيدا فقد نابت (إلا) عن (أستثنى) وهى فعل وفاعل. وإذا قلت قام زيد وعمرو؛ فقد نابت الواو عن (أعطف). وإذا قلت: ليت لى مالا؛ فقد نابت (ليت) عن (أتمنّى). وإذا قلت: هل قام أخوك؛ فقد نابت (هل) عن (أستفهم).
  وإذا قلت: ليس زيد بقائم؛ فقد نابت الباء عن (حقّا)، و (ألبتّة)، و (غير ذى شكّ). وإذا قلت (فبما نقضهم ميثاقهم) فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقّا، أو يقينا. وإذا قلت: أمسكت بالحبل؛ فقد نابت الباء عن قولك: أمسكته مباشرا له وملاصقة يدى له. وإذا قلت: أكلت من الطعام؛ فقد نابت (من) عن البعض، أى أكلت بعض الطعام. وكذلك بقيّة ما لم نسمه.
  فإذا كانت هذه الحروف نوائب عمّا هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرّق عليها، فتنتهكها وتجحف بها.
  ولأجل ما ذكرنا: من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل فى شيء من الفضلات: الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك. وعلّته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من الاختصار؛ فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه، وتراجعوا عما اعتزموه.
  فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائما؛ على أن تجعل (قائما) حالا منك، أى أنفى هذا فى حال قيامى، ولا حالا من (زيد)، أى أنفى هذا عن زيد فى حال قيامه. ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة؛ على أن تجعل يوم الجمعة ظرفا لما دلت عليه