الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى شواذ الهمز

صفحة 366 - الجزء 2

باب فى شواذ الهمز

  وذلك فى كلامهم على ضربين، وكلاهما غير مقيس.

  أحدهما أن تقرّ الهمزة الواجب تغييرها، فلا تغيّرها.

  والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له، ولا قياس يعضده.

  الأوّل من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم: غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره: دريئة⁣(⁣١) ودرائئّ. وروينا عن قطرب: لفيئة⁣(⁣٢) ولفائئ. وأنشدوا:

  فإنّك لا تدرى متى الموت جائئ ... إليك ولا ما يحدث الله فى غد

  وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحّة ما يقوله النحويون دون الخليل: من أن هذه الكلم غير مقلوبة، وأنه قد كانت التقت فيها الهمزتان، على ما ذهبوا إليه، لا ما رآه هو.

  ومن شاذّ الهمز عندنا قراءة الكسائىّ (أئمة) بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين؛ نحو سئّال وسئّار، (وجئّار) فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك، و {السُّفَهاءُ أَلا}⁣[البقرة: ١٣] و {وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}⁣[الحج: ٦٥]، و {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ}⁣[البقرة: ٣١] فهذا كله جائز عندنا على ضعفه، لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينيين لحن؛ إلا ما شذّ ممّا حكيناه من خطائئ وبابه، وقد تقدّم. وأنشدنى بعض من ينتمى إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه: أشأؤها وأدأؤها، فنبّهته عليه، فلم يكد يرجع عنه (وهذا) ممّا لو كان (همزه أصلا) لوجب تركه وإبداله، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له، ولا عذر فى إبداله من حرف لين ولا غيره.


(١) دريئة: هى الحلقة التى يتعلم الرامى الطعن والرمى عليها.

(٢) لفيئة: هى القطعة من اللحم.