باب القول على فوائت الكتاب
باب القول على فوائت الكتاب
  اعلم أن الأمثلة المأخوذة على صاحبه سنذكرها، ونقول فيها ما يدحض عنه ظاهر معرّتها لو صحّت عليه. ولو لم تكنّ فيها حيلة تدرأ شناعة إخلاله بها عنه، لكانت معلاة له لا مزراة عليه، وشاهدة بفضله ونقص المتتبّع (له بها) لا نقصه، إن كان أوردها مريدا بها حطّ رتبته، والغضّ من فضيلته. وذلك لكلفة هذا الأمر، وبعد أطرافه، وإيعار أكنافه أن يحاط بها، أو يشتمل تحجّر عليها. وإن إنسانا أحاط بقاصى هذه اللغات المنتشرة، وتحجّر أذراءها(١) المترامية، على سعة البلاد، وتعادى ألسنتها اللداد، وكثرة التواضع بين أهليها من حاضر وباد، حتى اغترق(٢) جميع كلام الصرحاء والهجناء، والعبيد والإماء، فى أطرار(٣) الأرض، ذات الطول والعرض، (ما بين) منثور إلى منظوم، ومخطوب به (إلى مسجوع)، حتى لغات الرعاة الأجلاف، والرواعى ذوات صرار(٤) الأخلاف، وعقلائهم والمدخولين، وهذاتهم الموسوسين، فى جدّهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم، وتغاير الأحوال عليهم، فلم يخلل من جميع ذلك - على سعته وانبثاثه، وتناشره واختلافه - إلا بأحرف تافهة المقدار، متهافتة على البحث والاعتبار - ولعلها أو أكثرها مأخوذة عمّن فسدت لغته، فلم تلزم عهدته - لجدير أن يعلم بذلك توفيقه، وأن يخلّى له إلى غايته طريقه.
  ولنذكر ما أورد عليه معقّبا به، ولنقل فيه ما يحضرنا من إماطة الفحش به عنه بإذن الله.
  * * *
(١) أذراءها: أطرافها، والمفرد، ذرء. يقال: بلغنى ذرء من خبر أى طرف منه.
(٢) اغترق: استوعب.
(٣) أطرار الأرض: نواحيها. والواحد طرّ بضم الطاء.
(٤) صرار الأخلاف: هو خيط يشدّ فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها. والخلف للحيوان كالثدى للإنسان.