باب القول على البناء
باب القول على البناء
  وهو لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا: من السكون أو الحركة، لا لشيء أحدث ذلك من العوامل. وكأنهم إنما سمّوه بناء لأنه لمّا لزم ضربا واحدا فلم يتغير تغير الإعراب سمى بناء، من حيث كان البناء لازما موضعه، لا يزول من مكان إلى غيره؛ وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المتبذلة، كالخيمة والمظلة، والفسطاط والسرادق، ونحو ذلك. وعلى أنه قد أوقع على هذا الضرب من المستعملات المزالة من مكان إلى مكان لفظ البناء؛ تشبيها لذلك - من حيث كان مسكونا، وحاجزا، ومظلّا - بالبناء من الآجرّ والطين والجصّ؛ ألا ترى إلى قول أبى مارد الشيبانى:
  لو وصل الغيث أبنين امرأ ... كانت له قبّة سحق بجاد(١)
  أى لو اتصل الغيث لأكلأت الأرض وأعشبت، فركب الناس خيلهم للغارات، فأبدلت الخيل الغنىّ الذى كانت له قبة من قبته سحق بجاد، فبناه بيتا له، بعد ما كان يبنى لنفسه قبة. فنسب ذلك البناء إلى الخيل، لمّا كانت هى الحاملة للغزاة الذين أغاروا على الملوك، فأبدلوهم من قبابهم أكسية أخلاقا، فضربوها لهم أخبية تظلّهم.
  ونظير معنى هذا البيت ما أخبرنا به أبو بكر محمد(٢) بن الحسن عن أحمد(٣) بن يحيى من قول الشاعر:
(١) البيت من مجزوء البسيط، وهو لأبى مارد الشيبانى فى تاج العروس (بنى)، وبلا نسبة فى لسان العرب (خضض)، (بنى)، والمخصص ٥/ ١٢٢، وتهذيب اللغة ١٥/ ٤٩٣، وأساس البلاغة ص ٣١ (بنى)، والحيوان ٥/ ٤٦١. البجاد: الكساء المخطط، والسحق: البالى. والبيت فى تنبيه البكرى على أوهام القالى ١٩ وفى اللآلى له ١٢٣/ ١ والذى فى اللآلى: «أبنينا» بإسناد هذا الفعل إلى الشاعر وقومه.
(٢) هو المعروف بابن مقسم، وهو أبو بكر العطار المقرئ النحوى، كان من أعرف الناس بالقراءات ونحو الكوفيين مات سنة ٣٥٥، وهو راوية لثعلب.
(٣) هو أبو العباس ثعلب من أئمة الكوفيين مات ٢٩١.