الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى

صفحة 474 - الجزء 1

باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى

  هذا فصل من العربيّة حسن كثير المنفعة، قوىّ الدلالة على شرف هذه اللغة.

  وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة، فتبحث عن أصل كلّ اسم منها، فتجده مفضى المعنى إلى معنى صاحبه.

  وذلك كقولهم: (خلق الإنسان) فهو (فعّل من خلّقت الشئ، أى ملّسته؛ ومنه صخرة خلقاء للملساء. ومعناه أن خلق الإنسان هو ما قدّر له ورتّب عليه، فكأنه أمر قد استقرّ، وزال عنه الشكّ. ومنه قولهم فى الخبر: (قد فرغ الله من الخلق والخلق). والخليقة فعيلة منه.

  وقد كثرت فعيلة فى هذا الموضع. وهو قولهم: (الطبيعة) وهى من طبعت الشئ (أى قرّرته) على أمر ثبت عليه، كما يطبع الشئ كالدرهم والدينار، فتلزمه أشكاله، فلا يمكنه انصرافه عنها ولا انتقاله.

  ومنها (النحيتة) وهى فعيلة من نحتّ الشئ [أى] ملّسته وقرّرته على ما أردته منه. فالنحيتة كالخليقة: هذا من نحتّ، وهذا من خلّقت.

  ومنها (الغريزة) وهى فعيلة من غرزت كما قيل لها طبيعة؛ لأن طبع الدرهم ونحوه ضرب من وسمه، وتغريزه بالآلة التى تثبّت عليه الصورة. وذلك استكراه له وغمز عليه كالطبع.

  ومنها (النقيبة) وهى فعيلة من نقبت الشئ، وهو نحو من الغريزة.

  ومنها (الضريبة) وذلك أن الطبع لا بدّ معه من الضرب؛ لتثبت [له] الصورة المرادة.

  ومنها (النحيزة) هى فعيلة من نحزت الشئ أى دققته؛ ومنه المنحاز: الهاوون؛ لأنه موضوع للدفع به والاعتماد على المدقوق؛ قال:

  * ينحزن من جانبيها وهى تنسلب⁣(⁣١) *


(١) الانسلاب: المضاء فى السير.