باب فى دور الاعتلال
باب فى دور(١) الاعتلال
  هذا موضع طريف. ذهب محمّد بن يزيد فى وجوب إسكان اللام فى نحو ضربن، وضربت إلى أنه لحركة ما بعده من الضمير: يعنى مع الحركتين قبل.
  وذهب أيضا فى حركة الضمير من نحو هذا أنها إنما وجبت لسكون ما قبله. فتارة اعتلّ لهذا بهذا، ثمّ دار تارة أخرى، فاعتلّ لهذا بهذا. وفى ظاهر ذلك اعتراف بأن كلّ واحد منهما ليست له حال مستحقّة تخصّه فى نفسه، وإنما استقرّ على ما استقرّ عليه لأمر راجع إلى صاحبه.
  ومثله ما أجازه سيبويه فى جرّ (الوجه) من قولك: هذا الحسن الوجه. وذلك أنه أجاز فيه الجرّ من وجهين: أحدهما طريق الإضافة الظاهرة، والآخر تشبيه بالضارب الرجل. [وقد أحطنا علما بأن الجرّ إنما جاز فى الضارب الرجل] ونحوه ممّا كان الثانى منهما منصوبا؛ لتشبيههم إيّاه بالحسن الوجه؛ أفلا ترى كيف صار كلّ واحد من الموضعين علّة لصاحبه فى الحكم الواحد الجارى عليهما جميعا.
  وهذا من طريف أمر هذه اللغة، وشدّة تداخلها، وتزاحم الألفاظ والأغراض على جهاتها. والعذر أن الجرّ لمّا فشا واتّسع فى نحو الضارب الرجل، والشاتم الغلام، والقاتل البطل، صار - لتمكّنه فيه، وشياعه فى استعماله - كأنه أصل فى بابه، وإن كان إنما سرى إليه لتشبيهه بالحسن الوجه. فلمّا كان كذلك قوى فى بابه، حتى صار لقوّته قياسا وسماعا، كأنه أصل للجرّ فى (هذا الحسن الوجه)، وسنأتى على بقيّة هذا الموضع فى باب نفرده له بإذن الله.
  لكن ما أجازه أبو العبّاس وذهب إليه فى باب ضربن وضربت من تسكين اللام لحركة الضمير، وتحريك الضمير لسكون اللام شنيع الظاهر، والعذر فيه أضعف
(١) دور الاعتلال: هو أن يعلل الشئ بعلة معللة بذلك الشئ مثل: «ملكت» فوجب تسكين لام الفعل لاتصاله بتاء الضمير المتحركة، وتحرك هذه «التاء» بسبب السكون العارض فى آخر الفعل فاعتلّ لهذا بهذا ثم دار فاعتلّ لهذا بهذا. المعجم المفصل فى النحو ص ٥١٩.