باب فى ترافع الأحكام
باب فى ترافع(١) الأحكام
  هذا موضع من العربيّة لطيف، لم أر لأحد من أصحابنا فيه رسما، ولا نقلوا إلينا فيه ذكرا.
  من ذلك مذهب العرب فى تكسير ما كان من (فعل) على (أفعال)؛ نحو علم وأعلام، وقدم وأقدام، ورسن وأرسان، وفدن وأفدان. قال سيبويه: فإن كان على (فعلة) كسّروه على (أفعل)؛ نحو أكمة وآكم. ولأجل ذلك (ما حمل) أمة على أنها (فعلة) لقولهم فى تكسيرها: (آم) إلى هنا انتهى كلامه، إلا أنه أرسله ولم يعلّله.
  والقول فيه عندى أن حركة العين قد عاقبت فى بعض المواضع تاء التأنيث، وذلك فى الأدواء؛ نحو قولهم: رمث رمثا، وحبط حبطا، وحبج حبجا. فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين؛ فقالوا: حقل حقلة، ومغل مغلة(٢). فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث. ومن ذلك قولهم: جفنة وجفنات، وقصعة وقصعات؛ لمّا حذفوا التاء حرّكوا العين.
  فلمّا تعاقبت التاء وحركة العين جريا لذلك مجرى الضدّين المتعاقبين. فلمّا اجتمعا فى (فعلة) ترافعا أحكامهما، فأسقطت التاء حكم الحركة، وأسقطت الحركة حكم التاء. فآل الأمر بالمثال إلى أن صار كأنه فعل، و (فعل) باب تكسيره (أفعل).
  وهذا حديث من هذه الصناعة غريب المأخذ، لطيف المضطرب. فتأمّله فإنه
(١) يريد أنه قد يجتمع فى الكلمة أمران، يقضى كل منهما إذا انفرد بحكم فى اللغة، تكون عليه الكلمة؛ فيكون ذلك داعيا إلى إلغاء تأثيرهما، فكأنّ هذا رفع حكم هذا، وهذا رفع حكم هذا وأبطله (نجار). وقد عرض المؤلف لهذا فى المحتسب عند قوله تعالى فى سورة آل عمران: {أَمَنَةً نُعاساً}.
(٢) الحقلة: من أدواء الإبل، يصيبها من أكل التراب مع البقل. المغلة: هو أيضا داء فى الحيوان من أكل البقل مع التراب.