الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى حرف اللين المجهول

صفحة 377 - الجزء 2

باب فى حرف اللين المجهول

  وذلك مدّة الإنكار؛ نحو قولك فى جواب من قال: رأيت بكرا: أبكرنيه، وفى جاءنى محمد: أمحمدنيه، وفى مررت على قاسم: أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدّة الإنكار، وهى لا محالة ساكنة، فوافقت التنوين ساكنا، فكسر (لالتقاء الساكنين) فوجب أن تكون المدّة ياء لتتبع الكسرة. وأىّ المدّات الثلاث كانت فإنها لا بدّ أن توجد فى اللفظ بعد كسرة التنوين ياء؛ لأنها إن كانت فى الأصل ياء فقد كفينا النظر فى أمرها. وإن كانت ألفا أو واوا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتّة.

  فإن قيل: أفتنصّ فى هذه المدّة على حرف معيّن: الألف أو الياء أو الواو؟

  قيل: لم تظهر فى شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها، وإنما تأتى تابعة لما قبلها؛ ألا تراك تقول فى قام عمر: أعمروه، وفى رأيت أحمد: أأحمداه، وفى مررت بالرجل آلرجليه، وليست كذلك مدّة الندبة؛ لأن تلك ألف لا محالة، وليست مدّة مجهولة مدبّرة بما قبلها؛ ألا تراها تفتح ما قبلها أبدا، ما لم تحدث هناك لبسا، ونحو ذلك؛ نحو وا زيداه، ولم يقولوا: وا زيدوه، وإن كانت الدال مضمومة فى وا زيد. وكذلك واعبد الملكاه، ووا غلام زيداه، لمّا حذفت لها التنوين (من زيد) صادفت الدال مكسورة ففتحتها.

  غير أننا نقول: إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفا من موضعين.

  أحدهما أن الإنكار مضاه للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب، فمطل الصوت به وجعل ذلك أمارة لتناكره؛ كما جاءت مدّة الندبة إظهارا للتفجّع؛ وإيذانا بتناكر الخطب الفاجع، والحدث الواقع. فكما أن مدّة الندبة ألف، فكذلك ينبغى أن تكون مدّة الإنكار ألفا.

  والآخر أن الغرض فى الموضعين جميعا إنما هو مطل الصوت، ومدّه وتراخيه، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإذا كان الأمر كذلك فالألف أحقّ به دون أختيها؛ لأنها أمدّهنّ صوتا، وأنداهنّ، وأشدّهنّ إبعادا (وأنآهنّ). فأمّا مجيئها تارة