الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الاستحسان

صفحة 169 - الجزء 1

باب فى الاستحسان⁣(⁣١)

  وجماعه أن علّته ضعيفة غير مستحكمة؛ إلا أنّ فيه ضربا من الاتّساع والتصرّف.

  من ذلك تركك الأخفّ إلى الأثقل من غير ضرورة؛ نحو قولهم: الفتوى، والبقوى، والتقوى، والشروى، ونحو ذلك؛ ألا ترى أنهم قلبوا الياء هنا واوا من غير استحكام علّة أكثر من أنهم أرادوا الفرق بين الاسم والصفة. وهذه ليست علّة معتدّة؛ ألا تعلم كيف يشارك الاسم الصفة فى أشياء كثيرة لا يوجبون على أنفسهم الفرق بينهما فيها. من ذلك قولهم فى تكسير حسن: حسان، فهذا كجبل وجبال؛ وقالوا: فرس ورد، وخيل ورد؛ فهذا كسقف، وسقف. وقالوا: رجل غفور، وقوم غفر، وفخور وفخر؛ فهذا كعمود وعمد. وقالوا: جمل بازل، وإبل بوازل، وشغل شاغل، وأشغال شواغل؛ فهذا كغارب وغوارب، وكاهل وكواهل. ولسنا ندفع أن يكونوا قد فصلوا بين الاسم والصفة فى أشياء غير هذه؛ إلا أن جميع ذلك إنما هو استحسان لا عن ضرورة علّة، وليس بجار مجرى رفع الفاعل، ونصب المفعول؛ ألا ترى أنه لو كان الفرق بينهما واجبا لجاء فى جميع الباب؛ كما أن رفع الفاعل ونصب المفعول منقاد فى جميع الباب.

  فإن قلت: فقد قال الجعدىّ:

  حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا ... كأنّنا رعن قفّ يرفع الآلا⁣(⁣٢)


(١) الاستحسان من مصطلح أصول الفقه. والاستحسان: هو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس. التعريفات ص ١٩.

(٢) البيت من البسيط، وهو للنابغة الجعدى فى ديوانه ص ١٠٦، وأدب الكاتب ص ٢٨، وأمالى القالى ٢/ ٢٢٨، وجمهرة اللغة ص ٦٦٦، وسمط اللآلى ص ٨٥٠، ولسان العرب (أول)، وتاج العروس (أول)، والمعانى الكبير ص ٨٨٣، وبلا نسبة فى الإنصاف ١/ ١٥٨، والمحتسب ٢/ ٢٧. ويروى: كفّ بدلا من: قفّ. والرعن: أول كل شيء، والقف: حجارة بعضها فوق بعض، وهو جبل غير أنه ليس بطويل فى السماء. والآل: السراب.