الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى جواز القياس على ما يقل

صفحة 154 - الجزء 1

باب فى جواز القياس على ما يقل

  ورفضه فيما هو أكثر منه

  هذا باب ظاهره - إلى أن تعرف صورته - ظاهر التناقض؛ إلا أنه مع تأمّله صحيح. وذلك أن يقل الشئ وهو قياس، ويكون غيره أكثر منه، إلا أنه ليس بقياس.

  الأوّل قولهم فى النسب إلى شنوءة: شنئىّ؛ فلك - من بعد - أن تقول فى الإضافة إلى قتوبة: قتبىّ، وإلى ركوبة: ركبيّ، وإلى حلوبة: حلبىّ؛ قياسا على شنئىّ. وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة؛ لمشابهتها إيّاها من عدّة أوجه: أحدها أن كل واحدة من فعولة وفعيلة ثلاثىّ؛ ثم إن ثالث كل واحدة منهما حرف لين يجرى مجرى صاحبه؛ ألا ترى إلى اجتماع الواو والياء ردفين وامتناع ذلك فى الألف، وإلى جواز حركة كل واحدة من الياء والواو مع امتناع ذلك فى الألف، إلى غير ذلك. ومنها أن فى كل واحدة من فعولة وفعيلة تاء التأنيث. ومنها اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد؛ نحو أثيم وأثوم، ورحيم ورحوم، ومشىّ ومشوّ⁣(⁣١)، ونهىّ عن الشئ ونهوّ.

  فلمّا استمرّت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار، جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة؛ فكما قالوا: حنفىّ قياسا قالوا: شنئىّ أيضا قياسا.

  قال أبو الحسن: فإن قلت: إنما جاء هذا فى حرف واحد - يعنى شنوءة - قال: فإنه جميع ما جاء. وما ألطف هذا القول من أبى الحسن! وتفسيره أن الذى جاء فى فعولة هو هذا الحرف، والقياس قابله، ولم يأت فيه شيء ينقضه. فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء، وكان أيضا صحيحا فى القياس مقبولا، فلا غرو ولا ملام.

  وأمّا ما هو أكثر من باب شنئىّ، ولا يجوز القياس عليه؛ لأنه لم يكن هو على


(١) المشىّ والمشوّ: الدواء المسهل.