باب فى فرق بين الحقيقة والمجاز
باب فى فرق بين الحقيقة والمجاز
  الحقيقة: ما أقرّ فى الاستعمال على أصل وضعه فى اللغة. والمجاز: ما كان بضدّ ذلك.
  وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة، وهى: الاتّساع، والتوكيد، والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة ألبتّة.
  فمن ذلك(١) قول النبىّ ÷ فى الفرس: هو بحر. فالمعانى الثلاثة موجودة فيه.
  أمّا الاتساع فلأنه زاد فى أسماء الفرس التى هى فرس وطرف وجواد ونحوها البحر، حتى إنه إن احتيج إليه فى شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقيّة تلك الأسماء؛ لكن لا يفضى إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة. وذلك كأن يقول الشاعر:
  علوت مطا جوادك يوم يوم ... وقد ثمد الجياد فكان بحرا(٢)
  وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرّته كان فجرا، وإذا جرى إلى غايته كان بحرا، ونحو ذلك. ولو عرى الكلام من دليل يوضح الحال لم يقع عليه بحر؛ لما فيه من التعجرف فى المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو قال رأيت بحرا وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه، فلم يجز قوله؛ لأنه إلباس، وإلغاز على الناس.
  وأما التشبيه فلأن جريه يجرى فى الكثرة مجرى مائه.
  وأما التوكيد فلأنه شبّه العرض بالجوهر، وهو أثبت فى النفوس منه، والشبه فى العرض منتفية عنه؛ ألا ترى أن من الناس من دفع الأعراض، وليس أحد دفع الجواهر.
(١) أخرجه البخارى فى الجهاد، (٢٨٢٠)، وفى غير موضع، ومسلم (ح ٢٣٠٧).
(٢) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى تاج العروس (بحر). المطا: الظهر. ثمد الجياد: أى أعيين من قولهم: ماء مثمود: كثر عليه الناس حتى فنى ونفد إلا أقله.