الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى أن العلة إذا لم تتعد لم تصح

صفحة 196 - الجزء 1

باب فى أن العلة إذا لم تتعد لم تصح

  من ذلك قول من اعتلّ لبناء نحو كم، ومن، وما، وإذ، ونحو ذلك بأنّ هذه الأسماء لمّا كانت على حرفين شابهت بذلك ما جاء من الحروف على حرفين؛ نحو هل، وبل، وقد. قال: فلمّا شابهت الحرف من هذا الموضع وجب بناؤها، كما أن الحروف مبنيّة. وهذه علّة غير متعدّية، وذلك أنه كان يجب على هذا أن يبنى ما كان من الأسماء أيضا على حرفين؛ نحو يد، وأخ، وأب، ودم، وفم، وحر، وهن، ونحو ذلك.

  فإن قيل: هذه الأسماء لها أصل فى الثلاثة، وإنما حذف منها حرف، فهو لذلك معتدّ، فالجواب أنّ هذه زيادة فى وصف العلّة، لم تأت بها فى أوّل اعتلالك.

  وهبنا سامحناك بذلك، قد كان يجب على هذا أن يبنى باب يد، وأخ، وأب ونحو ذلك؛ لأنه لمّا حذف فنقص شابه الحرف، وإن كان أصله الثلاثة؛ ألا ترى أن المنادى المفرد المعرفة قد كان أصله أن يعرب، فلمّا دخله شبه الحرف لوقوعه موقع المضمر بنى، ولم يمنع من بنائه جريه معربا قبل حال البناء. وهذا شبه معنوىّ كما ترى، مؤثّر داع إلى البناء، والشبه اللفظىّ أقوى من الشبه المعنوىّ، فقد كان يجب على هذا أن يبنى ما جاء من الأسماء على حرفين وله أصل فى الثلاثة، وألا يمنع من بنائه كونه فى الأصل ثلاثيّا، كما لم يمنع من بناء زيد فى النداء كونه فى الأصل معربا، بل إذا كانت صورة إعراب زيد قبل ندائه معلومة مشاهدة، ثم لم يمنع ذاك من بنائه كان أن يبنى باب يد، ودم، وهن، لنقصه ولأنه لم يأت تامّا على أصله إلا فى أماكن شاذّة أجدر. وعلى أن منها ما لم يأت على أصله البتّة وهو معرب. وهو حر، وسه، وفم. فأمّا قوله:

  * يا حبّذا عينا سليمى والفما⁣(⁣١) *


(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (فوه)، (خطا)، وجواهر الأدب ص ٢٩٠، وخزانة الأدب ٤/ ٤٦٢، والدرر ١/ ١٠٩، ورصف المبانى ص ٣٤٣، وسر صناعة الإعراب ص ٤٨٤، وهمع الهوامع ١/ ٣٩، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧. ويروى وجه بدلا من: عينا. وبعده:

* والجيد والنحر وثدى قد نما*