الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تدريج اللغة

صفحة 348 - الجزء 1

باب فى تدريج اللغة

  وذلك أن يشبه شيء شيئا من موضع، فيمضى حكمه على حكم الأوّل، ثم يرقّى منه إلى غيره.

  فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، (ولو) جالسهما جميعا لكان مصيبا مطيعا لا مخالفا، وإن كانت (أو) إنما هى فى أصل وضعها لأحد الشيئين.

  وإنما جاز ذلك فى هذا الموضع، لا لشيء رجع إلى نفس (أو) بل لقرينة انضمّت من جهة المعنى إلى (أو). وذلك لأنه قد عرف أنه إنما رغّب فى مجالسة الحسن لما لمجالسه فى ذلك من الحظّ، وهذه الحال موجودة فى مجالسة ابن سيرين أيضا، وكأنه قال: جالس هذا الضرب من الناس. وعلى ذلك جرى النهى فى هذا الطرز من القول فى قول الله سبحانه {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}⁣[الإنسان: ٢٤] وكأنه - والله أعلم - قال: لا تطع هذا الضرب من الناس. ثم إنه لما رأى (أو) فى هذا الموضع قد جرت مجرى الواو تدرّج من ذلك إلى غيره، فأجراها مجرى الواو فى موضع عار من هذه القرينة التى سوّغته استعمال (أو) فى معنى الواو؛ ألا تراه كيف قال:

  وكان سيّان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها، واغبرّت السوح⁣(⁣١)

  وسواء وسيّان لا يستعمل إلا بالواو. وعليه قول الآخر:

  فسيّان حرب أو تبوءوا بمثله ... وقد يقبل الضيم الذليل المسيّر⁣(⁣٢)

  أى فسيّان حرب وبواؤكم بمثله، كما أن معنى الأوّل: فكان سيّان ألا يسرحوا نعما، وأن يسرحوه بها. وهذا واضح.


(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب ٥/ ١٣٤، ١٣٧، ١٣٨، وشرح أشعار الهذليين ص ١٢٢، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٥، وشرح شواهد المغنى ص ١٩٨، ولسان العرب (سوا) وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٤/ ٨٩، ١١/ ٧٠، ورصف المبانى ص ١٣٢، ٤٢٧، وشرح المفصل ٨/ ٩١، ومغنى اللبيب ص ٦٣.

(٢) البيت بلا نسبة فى شرح المفصّل ٨/ ٩١، ولسان العرب (سوا).