الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين

صفحة 385 - الجزء 2

باب فى توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين

  وذلك فى الكلام على ضربين:

  أحدهما - وهو الأكثر - أن يتفق اللفظ البتّة، ويختلف فى تأويله. وعليه عامّة الخلاف؛ نحو قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده؛ فاللفظ غير مختلف فيه، لكن يختلف فى تفسيره.

  فقال قوم: إن الإنسان يذهل عن ولده لشدّته، فيكون هذا كقول الله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}⁣[الحج: ٢] وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}⁣[عبس: ٣٤ - ٣٥] (والآى فى هذا المعنى كثيرة).

  وقال قوم: أى هو أمر عظيم، فإنما ينادى فيه الرجال والجلّة، لا الإماء والصبية.

  وقال آخرون: الصبيان إذا ورد الحىّ كاهن أو حوّاء أو رقّاء حشدوا عليه، واجتمعوا له. أى ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو، إنما هو يوم تجرّد، وجدّ. وقال آخرون - وهم أصحاب المعانى -: أى لا وليد فيه فينادى (وإنما فيه الكفاة والنهضة) ومثله قوله⁣(⁣١):

  * على لاحب لا يهتدى بمناره*

  أى لا منار فيه فيهتدى به، وقوله أيضا:

  لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الذئب بها ينجحر⁣(⁣٢)


(١) أى امرئ القيس. وعجزه:

* إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا*

واللاحب: الطريق الواسع. وسافه: شمه، والعود: البعير المسن. والدّيافىّ، نسبة إلى دياف، وهى قرية بالشام تنسب إليها النجائب. والبيت فى اللسان (سوف) وقوله: لا يهتدى بمناره يقول: ليس به منار فيهتدى به، وإذا ساف الجمل تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه.

(٢) البيت من السريع، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ٦٧، وأمالى المرتضى ١/ ٢٢٩، وخزانة الأدب ١٠/ ١٩٢، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١/ ٣١٣. ويروى: (الضب) مكان (الذئب).