الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل

صفحة 327 - الجزء 2

باب فى احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل

  هذا موضع يتهاداه أهل هذه الصناعة بينهم، ولا يستنكره - على ما فيه - أحد منهم. وذلك كقولهم فى التمثيل من الفعل فى حبنطى: فعنلى. فيظهرون النون ساكنة قبل اللام. وهذا شيء ليس موجودا فى شيء من كلامهم؛ ألا ترى أن صاحب الكتاب قال: ليس فى الكلام مثل قنر، وعنل. وتقول فى تمثيل عرند⁣(⁣١): فعنل، وهو كالأوّل. وكذلك مثال حجنفل: فعنلل، ومثال عرنقصان⁣(⁣٢): فعنللان.

  وهذا لا بدّ أن يكون هو ونحوه مظهرا، ولا يجوز ادّغام النون فى اللام فى هذه الأماكن؛ لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض، وبطل المراد المعتمد؛ ألا تراك لو ادّغمت نحو هذا للزمك أن تقول فى مثل عرند: إنه فعلّ، فكان إذا لا فرق بينه وبين قمدّ⁣(⁣٣)، وعتلّ، وصملّ⁣(⁣٤). وكذلك لو قلت فى تمثيل حجنفل: إنه فعلّل لالتبس ذلك بباب سفرجل وفرزدق، وباب عدبّس وهملّع وعملّس. وكذلك لو ادّغمت مثال حبنطى فقلت: فعلّى لالتبس بباب صلخدى وجلعبى.

  وذكرت ذرأ⁣(⁣٥) من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله. وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد؛ ألا تراك لو قيل لك: ابن من دخل مثل حجنفل لم يجز؛ لأنك كنت تصير به إلى دخنلل، فتظهر النون ساكنة قبل اللام، وهذا غير موجود. فدلّ أنك فى التمثيل لست ببان، ولا جاعل ما تمثّله من جملة كلام العرب؛ كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثّل. ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثّل فيها من الدخول، كما مثّل من الفعل لجاز أن تقول: وزن حجنفل من دخل دخنلل؛ كما قلت فى التمثيل: وزن حجنفل من الفعل فعنلل. فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.


(١) عرند: هو الشديد من كل شيء.

(٢) عرنقصان: هو نبت.

(٣) قمسدّ: هو القوىّ الشديد.

(٤) صملّ: الشديد الخلق من الناس والإبل والجبال. والأنثى صملّة.

(٥) الذرأ من القول: الشئ اليسير منه. ويقال: بلغنى ذرء من خبر أى طرف ولم يتكامل.