باب فى تصاقب الألفاظ لتصاقب المعانى
باب فى تصاقب الألفاظ لتصاقب المعانى
  هذا غور من العربية لا ينتصف منه ولا يكاد يحاط به. وأكثر كلام العرب عليه، وإن كان غفلا مسهوّا عنه. وهو على أضرب:
  منها اقتراب الأصلين الثلاثيين؛ كضيّاط وضيطار، ولوقة وألوقة، ورخو ورخودّ، وينجوج وألنجوج. وقد مضى ذكر ذلك.
  ومنها اقتراب الأصلين، ثلاثيّا أحدهما، ورباعيّا صاحبه، أو رباعيّا أحدهما، وخماسيّا صاحبه؛ كدمث ودمثر، وسبط وسبطر، ولؤلؤ ولآل، والضبغطى والضبغطرى. ومنه قوله:
  * قد دردبت والشيخ دردبيس(١) *
  وقد مضى هذا [أيضا].
  ومنها التقديم والتأخير على ما قلنا فى الباب الذى قبل هذا فى تقليب الأصول؛ نحو (ك ل م) و (ك م ل) و (م ك ل) ونحو ذلك. وهذا كلّه والحروف واحدة غير متجاورة. لكن من وراء هذا ضرب غيره، وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعانى. وهذا باب واسع.
  من ذلك قول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم: ٨٣] أى تزعجهم وتقلقهم. فهذا فى معنى تهزّهم هزّا، والهمزة أخت الهاء؛ فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم خصّوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم فى النفوس من الهزّ؛ لأنك قد تهزّ ما لا بال له؛ كالجذع وساق الشجرة، ونحو ذلك.
  (ومنه العسف والأسف؛ والعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها، والهمزة أقوى من العين؛ كما أن أسف النفس أغلظ من [التردّد] بالعسف. فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين).
(١) سبق تخريجه.