باب فى إدراج العلة واختصارها
باب فى إدراج(١) العلة واختصارها
  هذا موضع يستمرّ (النحويّون عليه)، فيفتق عليهم ما يتعبون بتداركه، والتعذّر منه. وذلك كسائل سأل عن قولهم: آسيت الرجل، فأنا أواسيه، وآخيته، فأنا أواخيه، فقال: وما أصله؟ فقلت: أؤاسيه، وأؤاخيه - وكذلك نقول - فيقول لك: فما علّته فى التغيير؟ فتقول: اجتمعت الهمزتان، فقلبت الثانية واوا؛ لانضمام ما قبلها. وفى ذلك شيئان: أحدهما أنك لم تستوف ذكر الأصل، والآخر أنك لم تتقصّ شرح العلّة.
  أمّا إخلالك بذكر حقيقة الأصل فلأن أصله «أؤاسوك» لأنه أفاعلك من الأسوة، فقلبت الواو ياء لوقوعها طرفا بعد الكسرة، وكذلك أؤاخيك أصله «أؤاخوك» لأنه من الأخوّة، فانقلبت اللام لما ذكرنا؛ كما تنقلب فى نحو أعطى واستقصى.
  وأمّا تقصّى علّة تغيير الهمزة بقلبها واوا فالقول فيه أنه اجتمع فى كلمة واحدة همزتان غير عينين، (الأولى منهما مضمومة، والثانية مفتوحة) و (هى) حشو غير طرف، فاستثقل ذلك، فقلبت الثانية على حركة ما قبلها - وهى الضمّة - واوا.
  ولا بدّ من ذكر جميع ذلك، وإلا أخللت؛ ألا ترى أنك قد تجمع فى الكلمة الواحدة بين همزتين فتكونان عينين، فلا تغيّر ذلك؛ وذلك نحو سآل ورءاس، وكبنائك من سألت نحو تبّع، فتقول: «سؤّل» فتصحّان لأنهما عينان، ألا ترى أن لو بنيت من قرأت مثل «جرشع»(٢) لقلت «قرء» وأصله قرؤؤ، فقلبت الثانية ياء، وإن كانت قبلها همزة مضمومة، وكانتا فى كلمة واحدة، لمّا كانت الثانية منهما طرفا لا حشوا. وكذلك أيضا ذكرك كونهما فى كلمة واحدة؛ ألا ترى أن من العرب من يحقّق الهمزتين إذا كانتا من كلمتين؛ نحو قول الله تعالى: {السُّفَهاءُ
(١) الإدراج فى اللغة: لفّ الشئ فى الشئ، ودرج الكتاب: طيّه وأدرجت الكتاب إذا طويته. وانظر اللسان (درج).
(٢) الجرشع: العظيم الصدر، وقيل الطويل. اللسان (جرشع).