باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟
  سكون ما بعده، فيفجأ بسكونه المتحرّك الذى قبله، فينقض عليه جهته وسمته.
  فتلك إذا ثلاث أحوال متعادية لثلاثة أحرف متتالية؛ فكما يحسن تألّف الحروف المتفاوتة كذلك يحسن تتابع الأحوال المتغايرة على اعتدال وقرب، لا على إيغال فى البعد. لذلك كان مثال فعل أعدل الأبنية؛ حتى كثر وشاع وانتشر. وذلك أن فتحة الفاء، وسكون العين، وإسكان اللام، أحوال مع اختلافها متقاربة؛ ألا ترى إلى مضارعة الفتحة للسكون فى أشياء. منها أن كل واحد منهما يهرب إليه مما هو أثقل منه؛ نحو قولك فى جمع فعلة وفعلة: فعلات، بضم العين نحو غرفات، وفعلات بكسرها نحو كسرات، ثم يستثقل توالى الضمتين والكسرتين، فيهرب عنهما تارة إلى الفتح، فتقول: غرفات، وكسرات، وأخرى إلى السكون فتقول: غرفات، وكسرات. أفلا تراهم كيف سوّوا بين الفتحة والسكون فى العدول عن الضمة، والكسرة إليهما. ومنها أنهم يقولون فى تكسير ما كان من فعل ساكن العين وهى واو على فعال، بقلب الواو ياء؛ نحو: حوض، وحياض، وثوب، وثياب. فإذا كانت واو واحده متحرّكة صحّت فى هذا المثال من التكسير؛ نحو: طويل، وطوال. فإذا كانت العين من الواحد مفتوحة اعتلت(١) فى هذا المثال؛ كاعتلال الساكن؛ نحو: جواد، وجياد. فجرت واو جواد مجرى واو ثوب. فقد ترى إلى مضارعة الساكن للمفتوح. وإذا كان الساكن من حيث أرينا كالمفتوح كان بالمسكّن أشبه. فلذلك كان مثال فعل أخفّ، وأكثر من غيره؛ لأنه إذا كان مع تقارب أحواله مختلفها، كان أمثل من التقارب بغير خلاف، أو الاتفاق البتة والاشتباه. ومما يدلك على أن الساكن إذا أدرج ليست له حال الموقوف عليه أنك قد تجمع فى الوقف بين الساكنين؛ نحو: بكر، وعمرو؛ فلو كانت حال سكون كاف بكر كحال سكون رائه، لما جاز أن تجمع بينهما؛ من حيث كان الوقف للسكون على الكاف كحاله لو لم يكن بعده شيء. فكان يلزمك حينئذ أن تبتدئ بالراء ساكنة، والابتداء بالساكن ليس فى هذه اللغة العربية. لا بل دل ذلك على أن كاف بكر لم تتمكن فى السكون تمكّن ما يوقف عليه، ولا يتطاول إلى ما
(١) لا يريد أبو الفتح أن هذا الاعتلال مذهبه القياس والاطراد، إذ كان لا يجرى إلا على شذوذ؛ فجياد من الشاذ الذى يوقف عنده، وإنما هم ابن جنى تعليل هذا الشاذ وذكر مأتاه فى العربية. ويرى بعض النحويين أن (جيادا) جمع (جيد) ليخرج من الشذوذ. (نجار).