الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب القول على الاطراد والشذوذ

صفحة 138 - الجزء 1

  أى تتابع إلى الأرضين الممطورة لتشرب منها؛ فهى تسرع وتستمرّ إليها. وعليه بقية الباب.

  وأما مواضع (ش ذ ذ) فى كلامهم فهو التّفرّق والتّفرّد؛ من ذلك قوله:

  * يتركن شذّان الحصى جوافلا⁣(⁣١) *

  أى ما تطاير وتهافت منه. وشذّ الشئ يشذّ ويشذّ شذوذا وشذّا، وأشذذته أنا، وشذذته أيضا أشذّه (بالضم لا غير)، وأباها الأصمعىّ وقال: لا أعرف إلّا شاذّا أى متفرّقا. وجمع شاذّ شذّاذ؛ قال:

  * كبعض من مرّ من الشّذّاذ*

  هذا أصل هذين الأصلين فى اللغة. ثم قيل ذلك فى الكلام والأصوات على سمته وطريقه فى غيرهما، فجعل أهل علم العرب ما استمرّ من الكلام فى الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطّردا، وجعلوا ما فارق ما عليه بقيّة بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذّا؛ حملا لهذين الموضعين على أحكام غيرهما.

  ثم اعلم من بعد هذا أن الكلام فى الاطّراد والشذوذ على أربعة أضرب:

  مطّرد فى القياس والاستعمال جميعا، وهذا هو الغاية المطلوبة، والمثابة المنوبة؛ وذلك نحو: قام زيد، وضربت عمرا، ومررت بسعيد.

  ومطّرد فى القياس، شاذّ فى الاستعمال. وذلك نحو الماضى من: يذر ويدع.

  وكذلك قولهم «مكان مبقل» هذا هو القياس، والأكثر فى السماع باقل، والأوّل مسموع أيضا؛ قال أبو دواد لابنه دواد «يا بنىّ ما أعاشك بعدى؟» فقال دواد:

  أعاشنى بعدك واد مبقل ... آكل من حوذانه وأنسل⁣(⁣٢)


= أرضا بعينها. والصلال: جمع صلة وهى مواقع المطر فيها نبات فالإبل ترعاها. وانظر اللسان (طرد)، (صلل)، (لبن).

(٤) عجز البيت من الرجز لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٣٥، ولسان العرب (حزم)، ولرؤبة فى ديوانه ص ١٢٦، وتهذيب اللغة ١١/ ٢٧١، وبلا نسبة فى لسان العرب (شذذ)، وجمهرة اللغة ص ٧٨٧، ٩٦٦، ومقاييس اللغة ٤/ ٤٩٦. وصدر البيت:

* يحملننا والأسل النواهلا*

(٢) الرجز لدؤاد بن أبى دؤاد فى لسان العرب (عيش)، (بقل)، (نسل)، وبلا نسبة فى لسان =