الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تعارض السماع والقياس

صفحة 158 - الجزء 1

  قولهم: الكاهل والغارب⁣(⁣١)، وهما وإن كان فيهما معنى الاكتهال والغروب فإنهما اسمان.

  ولا يستنكر أن يكون فى الأسماء غير الجارية على الأفعال معانى الأفعال. من ذلك قولهم: مفتاح، ومنسج، ومسعط، ومنديل، ودار، ونحو ذلك؛ تجد فى كل واحد منها معنى الفعل، وإن لم تكن جارية عليه. فمفتاح من الفتح، ومنسج من النسج، ومسعط من الإسعاط، ومنديل من الندل، وهو التناول؛ قال الشاعر:

  على حين ألهى الناس جلّ أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب⁣(⁣٢)

  وكذلك دار: من دار يدور لكثرة حركة الناس فيها؛ وكذلك كثير من هذه المشتقّات تجد فيها معانى الأفعال وإن لم تكن جارية عليها. فكذلك الحائش جاء مهموزا وإن لم يكن اسم فاعل، لا لشيء غير مجيئه على ما يلزم اعتلال عينه؛ نحو قائم، وبائع، وصائم. فاعرف ذلك. وهو رأى أبى علىّ |، وعنه أخذته لفظا ومراجعة وبحثا.

  ومثله سواء الحائط: هو اسم بمنزلة الركن والسقف، وإن كان فيه معنى الحوط. ومثله أيضا العائر للرمد، هو اسم مصدر بمنزلة الفالج، والباطل، والباغز، وليس اسم فاعل ولا جاريا على معتلّ؛ وهو كما تراه معتلّ.


(١) الكاهل: مقدّم أعلى الظهر مما يلى العنق، والغارب من البعير ما بين السنام والعنق.

(٢) البيت من الطويل، وهو لأعشى همدان فى الحماسة البصرية ٢/ ٢٦٢، ٢٦٣، ولشاعر من همدان فى شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٧١، ٣٧٢، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير فى المقاصد النحوية ٣/ ٤٦، وهما فى ملحق ديوان الأحوص ص ٢١٥، وملحق ديوان جرير ص ١٠٢١، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٢٩٣، وأوضح المسالك ٢/ ٢١٨، وجمهرة اللغة ص ٦٨٢، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٧، وشرح الأشمونى ١/ ٢٠٤، وشرح التصريح ١/ ٣٣١، وشرح ابن عقيل ص ٢٨٩، والكتاب ١/ ١١٥، ولسان العرب (خشف)، (ندل). الندل: النقل والاختلاس، يقول: اندلى يا زريق، وهى قبيلة. ندل الثعالب، يريد السرعة؛ والعرب تقول: أكسب من ثعلب؛ قال ابن برى: وقيل فى هذا الشاعر إنه يصف قوما لصوصا يأتون فيسرقون ويملئون حقائبهم ثم يعودون، وقيل: يصف تجارا، وقوله: على حين ألهى الناس جل أمورهم: يريد حين اشتغل الناس بالفتن والحروب. اللسان (ندل) وقبله:

يمرون بالدّهنا خفافا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب