الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تعارض السماع والقياس

صفحة 160 - الجزء 1

  والتقاؤهما أن الناقة عندهم مما يتحسّن به ويزدان بملكه؛ وبالإبل يتباهون، وعليها يحملون ويتحمّلون؛ ولذلك قالوا لمذكّرها: الجمل؛ لأنه فعل من الجمال، كما أن الناقة فعلة من التنوّق. وعلى هذا قالوا: قد كثر عليه المشاء، والفشاء، والوشاء، إذا تناسل عليه المال. فالوشاء فعال من الوشى، كأنّ المال عندهم زينة وجمال لهم، كما يلبس من الوشى للتحسّن به. وعلى ذلك قالوا: ما بالدار دبّيج، فهو فعّيل من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس هم الذين يشون الأرض، وبهم تحسن، وعلى أيديهم وبعمارتهم تجمل. وعليه قالوا: إنسان؛ لأنه فعلان من الأنس.

  فقد ترى إلى توافى هذه الأشياء، على انتشارها، وتباين شعاعها، وكونها عائدة إلى موضع واحد؛ لأن التنوّق، والجمال، والأنس، والوشى، والديباج، مما يؤثر ويستحسن - وكنت عرضت هذا الموضع على أبى علىّ | فرضيه وأحسن تقبّله - فكذلك يكون استنوق من باب استحوذ من حاذ يحوذ؛ من حيث كان فى الناقة معنى الفعل من التنوّق، دون أن يكون بعيدا عنه؛ كما رمت أنت فى أوّل الفصل. انقضى السؤال.

  فالجواب أن استنوق أبعد عن الفعل من استحوذ على ما قدّمنا. فأمّا ما فى الناقة من معنى الفعليّة والتنوّق، فليس بأكثر مما فى الحجر من معنى الاستحجار والصلابة، فكما أن استحجر الطين واستنسر البغاث من لفظ الحجر والنّسر، فكذلك استنوق من لفظ الناقة، والجميع ناء عن الفعل؛ وما فيه من معنى الفعليّة إنما هو كما فى مفتاح ومدقّ ومنديل ونحو ذلك منه.

  ومما ورد شاذّا عن القياس ومطّردا فى الاستعمال قولهم: الحوكة، والخونة. فهذا من الشذوذ عن القياس على ما ترى، وهو فى الاستعمال منقاد غير متأبّ؛ ولا تقول على هذا فى جمع قائم: قومة، ولا فى صائم: صومة، ولو جاء على فعلة ما كان إلا معلّا. وقد قالوا على القياس: خانة.


= العروس (نوق)، (حاك). وصدره:

* كأن عليها سحق لفق تنوّقت*

والسحق: البالى، اللّفق: أحد شقى الملاءة. الحضرميات: نسبة إلى حضرموت.