باب ذكر الفرق بين العلة الموجبة وبين العلة المجوزة
  هذا الموضع.
  فإن قلت: فهل تجيز أن يحلّ السواد محلا ما، فيكون ذلك علّة لجواز اسوداده لا لوجوبه؟ قيل: هذا فى هذا ونحوه لا يجوز، بل لا بدّ من اسوداده البتّة، وكذلك البياض والحركة والسكون ونحو ذلك متى حلّ شيء منها فى محلّ لم يكن له بدّ من وجود حكمه فيه ووجوبه البتّة له؛ لأن هناك أمرا لا بدّ من ظهور أثره. وإذا تأمّلت ما قدّمناه رأيته عائدا إلى هذا الموضع، غير مخالف له ولا بعيد عنه؛ وذلك أن وقوع النكرة تليّة المعرفة - على ما شرحناه من تلك الصفة - سبب لجواز الحكمين اللذين جازا فيه؛ فصار مجموع الأمرين فى وجوب جوازهما كالمعنى المفرد الذى استبدّ به ما أريتناه: من تمسّكك بكلّ واحد من السواد والبياض، والحركة والسكون.
  فقد زالت عنك إذا شناعة هذا الظاهر، وآلت بك الحال إلى صحّة معنى ما قدّمته: من كون الشئ علّة للجواز لا للوجوب. فاعرف ذلك وقسه؛ فإنه باب واسع.
  * * *