الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الدور، والوقوف منه على أول رتبة

صفحة 232 - الجزء 1

  فاحتاج إلى إقرار الكسرة بحالها لتصحّ بعدها الياء التى هى روىّ القافية؛ كما معها من القوافى التى هى (الروابيا) و (الأدانيا) ونحو ذلك؛ فلم يستجز أن يقرّ الهمزة العارضة فى الجمع بحالها؛ إذ كانت العادة فى هذه الهمزة أن تعلّ وتغيّر إذا كانت اللام معتلّة، فرأى إبدال همزة أتاء واوا؛ ليزول لفظ الهمزة التى من عادتها فى هذا الموضع أن تعلّ ولا تصحّ لما ذكرنا، فصار (الأتاويا).

  وكذلك قياس فعالة من القوّة إذا كسّرت أن تصير بها الصنعة إلى قواء، ثم تبدل من الهمزة الواو؛ كما فعل من قال (الأتاويا) فيصير اللفظ إلى قواو. فإن أنت استوحشت من اكتناف الواوين لألف التكسير على هذا الحدّ وقلت: أهمز كما همزت فى أوائل لزمك أن تقول: قواء؛ ثم يلزمك ثانيا أن تبدل من هذه الهمزة الواو على ما مضى من حديث (الأتاويا) فتعاود أيضا قواو، ثم لا تزال بك قوانين الصنعة إلى أن تبدل من الهمزة الواو، ثم من الواو الهمزة، ثم كذلك، ثم كذلك إلى ما لا غاية. فإذا أدّت الصنعة إلى هذا ونحوه وجبت الإقامة على أوّل رتبة منه، وألا تتجاوز إلى أمر تردّ بعد إليها، ولا توجد سبيلا ولا منصرفا عنها.

  فإن قلت: إن بين المسألتين فرقا. وذلك أن الذى قال (الأتاويا) إنما دخل تحت هذه الكلفة، والتزم ما فيها من المشقّة، وهى ضرورة واحدة، وأنت إذا قلت فى تكسير مثال فعالة من القوّة: قواو قد التزمت ضرورتين: إحداهما إبدالك الهمزة الحادثة فى هذا المثال واوا على ضرورة (الأتاويا)، والأخرى كنفك الألف بالواوين مجاورا آخرهما الطرف؛ فتانك ضرورتان، وإنما هى فى (الأتاويا) واحدة. وهذا فرق، يقود إلى اعتذار وترك.

  قيل: هذا ساقط، وذلك أن نفس السؤال قد كان ضمن ما يلغى هذا الاعتراض؛ ألا ترى أنه كان: كيف يكسّر مثال فعالة من القوة على قول من قال (الأتاويا)؟ والذى قال ذلك كان قد أبدل من الهمزة العارضة فى الجمع واوا، فكذلك فأبدلها أنت أيضا فى مسألتك. فأمّا كون ما قبل الألف واوا أو غير ذلك من الحروف، فلم يتضمّن السؤال ذكرا له، ولا عيجا⁣(⁣١) به، فلا يغنى إذا ذكره،


(١) العيج: شبه الاكتراث، قال ابن سيده: ما عاج يقوله عيجا وعيجوجة: لم يكترث له أو لم يصدّقه. اللسان (عيج).