الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ

صفحة 253 - الجزء 1

  قيل: لمّا جاءت لمعنى ضارعت بذلك حروف المضارعة فقدّمت، وجعل ذلك عوضا من غلبة زيادة الفعل على أوّل الجزء؛ كما جعل قلب الياء واوا فى التقوى والبقوى عوضا من كثرة دخول الواو على الياء. وعلى الجملة فالاسم أحمل للزيادة فى آخره من الفعل، وذلك لقوّة الاسم وخفّته، فاحتمل سحب الزيادة من آخره. والفعل - لضعفه وثقله - لا يتحامل بما يتحامل به الاسم من ذلك لقوّته.

  ويدلّك على ثقل الزيادة فى آخر الكلمة أنك لا تجد فى ذوات الخمسة ما زيد فيه من آخره إلا الألف لخفّتها؛ وذلك قبعثرى⁣(⁣١)، وضبغطرى⁣(⁣٢)، وإنما ذلك لطول ذوات الخمسة، فلا ينتهى إلى آخرها إلا وقد ملّت لطولها. فلم يجمعوا على آخرها تماديه وتحميله الزيادة عليه. فإنما زيادتها فى حشوها؛ نحو عضرفوط⁣(⁣٣)، وقرطبوس⁣(⁣٤)، ويستعور⁣(⁣٥)، وصهصليق⁣(⁣٦)، وجعفليق⁣(⁣٧)، وعندليب، وحنبريت⁣(⁣٨).

  وذلك أنهم لمّا أرادوا ألا يخلوا ذوات الخمسة من الزيادة، كما لم يخلوا منها الأصلين اللذين قبلها حشوا بالزيادة تقديما لها؛ كراهية أن ينتهى إلى آخر الكلمة على طولها، ثم يتجشّموا حينئذ زيادة هناك فيثقل أمرها، ويتشنّع عليهم تحمّلها.

  فقد رأيت - بما أوردناه - غلبة المعنى للّفظ، وكون اللفظ خادما له، مشيدا به، وأنه إنما جيء به له، ومن أجله. وأمّا غير هذا الطريق: من الحمل على المعنى وترك اللفظ - كتذكير المؤنّث، وتأنيث المذكّر، وإضمار الفاعل لدلالة المعنى عليه، وإضمار المصدر لدلالة الفعل عليه، وحذف الحروف، والأجزاء التوامّ، والجمل، وغير ذلك حملا عليه وتصوّرا له، وغير ذلك مما يطول ذكره، ويملّ أيسره - فأمر مستقرّ، ومذهب غير مستنكر.


(١) قبعثرى: الجمل الضخم.

(٢) ضبغطرى: هو الأحمق.

(٣) العضرفوط: دويبة بيضاء ناعمة. ويقال: ذكر العظاء. اللسان (عضرفط).

(٤) القرطبوس بفتح القاف: الداهية. اللسان (قرطبس).

(٥) اليستعور: شجر تصنع منه المساويك. وقيل: موضع. اللسان (يستعر).

(٦) صهصليق: شديدة الصوت صخّابة، ومنهم من قيد فقال: العجوز الصخابة. اللسان (صهصلق).

(٧) الجعفليق: العظيمة من النساء. اللسان (جعفلق).

(٨) كذب حنبريت: خالص، وكذلك ماء حنبريت اللسان (حنبرت).