باب فى أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض
  والخبر المشهور فى هذا للنابغة وقد عيب عليه قوله فى الداليّة المجرورة:
  * وبذاك خبّرنا الغراب الأسود(١) *
  فلمّا لم يفهمه أتى بمغنّية فغنّته:
  * من آل ميّة رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد(٢)
  ومدّت الوصل وأشبعته، ثم قالت:
  * وبذاك خبّرنا الغراب الأسود(٣) *
  ومطلت واو الوصل، فلمّا أحسّه عرفه واعتذر منه وغيّره - فيما يقال - إلى قوله:
  * وبذاك تنعاب الغراب الأسود(٤) *
  وقال؛ دخلت يثرب وفى شعرى صنعة، ثم خرجت منها وأنا أشعر العرب.
  كذا الرواية. وأمّا أبو الحسن فكان يرى ويعتقد أن العرب لا تستنكر الإقواء.
  ويقول: قلّت قصيدة إلا وفيها الإقواء. ويعتلّ لذلك بأن يقول: إن كل بيت منها شعر قائم برأسه. وهذا الاعتلال منه يضعف ويقبّح التضمين فى الشعر.
  وأنشدنا أبو عبد الله الشجرىّ يوما لنفسه شعرا مرفوعا، وهو قوله:
  نظرت بسنجار كنظرة ذى هوى ... رأى وطنا فانهلّ بالماء غالبه
  لأونس من أبناء سعد ظعائنا ... يزنّ الذى من نحوهن مناسبه(٥)
(١) عجز البيت للنابغة فى ديوانه ص ٨٩، والأغانى ١١/ ٨، وجواهر الأدب ص ٢٨٨، والدرر ٢/ ٢٠، والشعر والشعراء ١/ ١٦٤، وبلا نسبة فى اللسان (وجه) وهمع الهوامع ١/ ٩٩ وصدر البيت يروى:
* زعم البوارح أن رحلتنا غدا*
(٢) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٨٩، والأزهية ص ١١٩، وخزانة الأدب ٢/ ١٣٣، ٤٤٨، ٧/ ٢٠٣، ٢٠٤ ولسان العرب (قوا).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) عجز بيت للنابغة فى ديوانه ص ٨٩ واللسان (سنع)، والتاج (حتم).
(٥) آنس الشخص: أبصره.