الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى

صفحة 290 - الجزء 1

  فى جفان تعترى نادينا ... وسديف حين هاج الصنّبر⁣(⁣١)

  يريد الصنّبر، فاحتاج للقافية إلى تحريك الباء، فتطرّق إلى ذلك بنقل حركة الإعراب إليها؛ تشبيها بباب قولهم: هذا بكر، ومررت ببكر، وكان يجب على هذا أن يضمّ الباء فيقول: الصنّبر؛ لأن الراء مضمومة، إلا أنه تصوّر معنى إضافة الظرف إلى الفعل فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنّبر، فلمّا احتاج إلى حركة الباء تصوّر معنى الجرّ فكسر الباء، وكأنه قد نقل الكسرة عن الراء إليها.

  ولو لا ما أوردته فى هذا لكان الضمّ مكان الكسر. وهذا أقرب مأخذا من أن تقول: إنه حرّف القافية للضرورة كما حرّفها الآخر فى قوله:

  هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسّى عبقر⁣(⁣٢)

  فى قول من قال: أراد عبقر، ثم حرّف الكلمة. ونحوه فى التحريف قول العبد:

  وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرا واتّصافا⁣(⁣٣)

  أراد - فيما قيل - ميسان، فزاد النون ضرورة، فهذا - لعمرى - تحريف بتعجرف عار من الصنعة. والذى ذهبت أنا إليه هناك فى (الصنبر) ليس عاريا من الصنعة.

  فإن قلت: فإن الإضافة فى قوله (حين هاج الصنبر) إنما هى إلى الفعل لا إلى الفاعل فكيف حرّفت غير المضاف إليه؟ قيل الفعل مع الفاعل كالجزء الواحد، وأقوى الجزأين منهما هو الفاعل، فكأن الإضافة إنما هى إليه لا إلى الفعل، فلذلك جاز أن يتصوّر فيه معنى الجرّ.


(١) البيت فى ديوانه ص ٥٦، ولسان العرب (صنبر)، وتهذيب اللغة ١٢/ ٢٧١، وتاج العروس (صنبر). الصّنّبر: الريح الباردة فى غيم. والسديف: السّنام المقطّع، وقيل شحمه. اللسان (سدف).

(٢) البيت للمرار بن منقذ العدوى فى لسان العرب (عبقر)، (شسس)، (برك)، وتهذيب اللغة ٣/ ٢٩٢، وتاج العروس (شسس)، (برك)، وشرح اختيارات المفضل ص ٤٢٤، وجمهرة اللغة ص ١٣٣، ٣٢٥، وبلا نسبة فى لسان العرب (صنبر).

(٣) البيت لسحيم عبد بنى الحسحاس فى ديوانه ص ٤٣، وسر صناعة الإعراب ١/ ١٤٧، ولسان العرب (ميس)، (وصف)، والممتع فى التصريف ١/ ٣٨٦.