الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى نقض المراتب إذا عرض هناك عارض

صفحة 300 - الجزء 1

باب فى نقض المراتب إذا عرض هناك عارض

  من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل فى نحو ضرب غلامه زيدا. فهذا لم يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم، وإنما امتنع لقرينة انضمّت إليه، وهى إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول، وفساد تقدّم المضمر على مظهره لفظا ومعنى.

  فلهذا وجب إذا أردت تصحيح المسألة أن تؤخّر الفاعل فتقول: ضرب زيدا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ}⁣[البقرة: ١٢٤] وأجمعوا على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدا، لتقدّم المضمر على مظهره لفظا ومعنى. وقالوا فى قول النابغة:

  جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل⁣(⁣١)

  إن الهاء عائدة على مذكور متقدّم، كلّ ذلك لئلا يتقدّم ضمير المفعول عليه مضافا (إلى الفاعل) فيكون مقدّما عليه لفظا ومعنى. وأمّا أنا فأجيز أن تكون الهاء فى قوله:

  * جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم⁣(⁣٢) *

  عائدة على (عدىّ) خلافا على الجماعة.

  فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدّم، والمفعول رتبته التأخّر، فقد وقع كلّ منهما الموقع الذى هو أولى به، فليس لك أن تعتقد فى الفاعل وقد وقع مقدّما أنّ موضعه التأخير، وإنّما المأخوذ به فى ذلك أن يعتقد فى الفاعل إذا وقع مؤخّرا


(١) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٩١، وله أو لأبى الأسود الدؤلى فى خزانة الأدب ١/ ٢٧٧، ٢٧٨، ٢٨١، ٢٨٧، والدرر ١/ ٢١٧، وللنابغة أو لأبى الأسود أو لعبد الله بن همارق فى شرح التصريح ١/ ٢٨٣، والمقاصد النحوية ٢/ ٤٨٧، ولأبى الأسود الدؤلى فى ملحق ديوانه ص ٤٠١، وتخليص الشواهد ص ٤٩٠، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢/ ١٢٥، وشرح الأشمونى ٢/ ٥٩، وشرح شذور الذهب ص ١٧٨، شرح ابن عقيل ص ٢٥٢، ولسان العرب (عوى) وهمع الهوامع ١/ ٦٦.

(٢) سبق منذ قليل.