الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب من غلبة الفروع على الأصول

صفحة 314 - الجزء 1

  مانعوه عليه، وإن كان بحمد الله ساقطا عنه، وحرّى بالاعتذار هم منه. وأجاز سيبويه أيضا نحو هذا وهو قوله (زيدا إذا يأتينى أضرب) فنصبه بـ (أضرب)، ونوى تقديمه، حتى كأنه قال (زيدا أضرب إذا يأتينى) ألا ترى إلى نيّته بما يكون جوابا لـ (إذا) - وقد وقع فى موقعه - أن يكون التقدير فيه تقديمه عن موضعه.

  ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم فى الآحاد بالحركات؛ نحو زيد، وزيدا، وزيد، وهو يقوم، وإذا تجووزت رتبة الآحاد أعربوا بالحروف؛ نحو الزيدان، والزيدين، والزيدون والعمرين، وهما يقومان، وهم ينطلقون. فأمّا ما جاء فى الواحد من ذلك؛ نحو أخوك، وأباك، وهنيك، فإن أبا بكر ذهب فيه إلى أنّ العرب قدّمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوه من الإعراب فى التثنية والجمع بالحروف. وهذا أيضا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع، ألا تراهم أعربوا بعض الآحاد بالحروف حملا لهم على ذلك فى التثنية والجمع. فأمّا قولهم (أنت تفعلين) فإنهم إنما أعربوه بالحرف وإن كان فى رتبة الآحاد - وهى الأوّل - من حيث كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعيّة، ومعلوم أن الحرف أقوى من الحركة، فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظا من إعراب ما فوقه، فصار - لذلك - الأقوى كأنه الأصل، والأضعف كأنه الفرع.

  ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع؛ ألا تراهم لمّا حذفوا الحركات - ونحن نعلم أنها زوائد فى نحو لم يذهب، ولم ينطلق - تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضا الحروف الأصول، فقالوا: لم يخش، ولم يرم، ولم يغز.

  ومن ذلك [أيضا] أنهم حذفوا ألف مغزى، ومدعى فى الإضافة فأجازوا مغزىّ، ومرمىّ، ومدعىّ، فحملوا الألف هنا - وهى لام - على الألف الزائدة فى نحو حبلىّ وسكرىّ. ومن ذلك حذفهم ياء تحيّة وإن كانت أصلا حملا لها على ياء شقيّة، وإن كانت زائدة؛ فلذلك قالوا تحوىّ كما قالوا شقوىّ، وغنوىّ، فى شقيّة وغنيّة. وحذفوا أيضا النون الأصليّة فى قوله:

  * ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل⁣(⁣١) *


(١) عجز البيت للنجاشى الحارثى فى ديوانه ص ١١١، والأزهية ص ٢٩٦، وخزانة الأدب ١٠/ ٤١٨، ٤١٩، وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٩٥، وشرح التصريح ١/ ١٩٦، وشرح شواهد =